فرع
، عرض بعد الوضع على القائف ، فإن ألحقه بالزوج أو بالواطئ ، فحكمه ما ذكرنا فيما إذا اختص الاحتمال به ، فإن لم يكن قائف أو أشكل عليه ، أو ألحقه بهما ، أو نفاه عنهما ، أو مات الولد وتعذر عرضه ، انقضت عدة أحدهما بوضعه ، لأنه من أحدهما ، ثم تعتد بعد الوضع للآخر بثلاثة أقراء . قال إذا احتمل كون الولد من الزوج ، ومن الواطئ بالشبهة الروياني : وقول رحمه الله تعالى : فإن لم يكن قائف ، ليس المراد به أن لا يوجد في الدنيا ، بل المراد أن لا يوجد في موضع الولد وما يقرب منه ، وهو المسافة التي تقطع في أقل من يوم وليلة . وسواء في وجوب العرض على القائف ، ادعياه جميعا ، أو ادعاه أحدهما فقط . الشافعي
وقيل : إذا ادعاه أحدهما فقط ، اختص به ، كالأموال ، والصحيح الأول ، لحق الولد وحق الشرع في النسب . قال المتولي : إن كان الطلاق بائنا ، عرض على القائف كما ذكرنا . وإن كان رجعيا ، بني على أن الرجعة هل هي فراش ، أم لا ؟ إن قلنا : لا ، عرض أيضا ، وإن قلنا : فراش ، وأن السنين الأربع في حقها تعتبر من انقضاء العدة ، فالولد ملحق ( بالزوج ) ولا يعرض على القائف .
ثم في هذا الفرع مسألتان .
إحداهما : إذا رجع الزوج في مدة الحمل ، بني على ما إذا تأخرت عدة الزوج [ ص: 390 ] لإحبال الواطئ ، هل له الرجعة في مدة الحمل ؟ إن قلنا : نعم ، صحت رجعته ، وهو الأصح ، وإلا فلا . فلو بان بعد الوضع أن الحمل منه بإلحاق القائف ، فهل يحكم الآن بأن الرجعة وقعت صحيحة ؟ وجهان . أصحهما : نعم . ولو راجع بعد الوضع ، لم يحكم بصحة الرجعة أيضا ، لاحتمال كون الحمل منه ، وأن عدته انقضت بوضعه . فلو بان بإلحاق القائف أن الحمل من وطء الشبهة ، ففي الحكم الآن بصحة الرجعة الوجهان ، هذا إذا راجع في القدر المتيقن بعد الوضع أنه من الأقراء دون ما أوجبناه احتياطا .
بيانه : وطئها الأجنبي بعد مضي قرء من وقت الطلاق ، فالقدر الذي يتيقن لزومه بعد الوضع قرءان ، وإنما نوجب القرء الثالث احتياطا ، لاحتمال كون الحمل من الزوج . ولو راجع مرتين ، مرة قبل الوضع ، ومرة بعده في القرءين ، ففي صحة رجعته وجهان . أصحهما : الصحة ، وبه قال القفال ، لوجود رجعة في عدته يقينا ، والثاني : المنع ، للتردد . ولو جدد النكاح ، إذا كان الطلاق بائنا ، نظر ، إن نكحها مرة واحدة قبل الوضع أو بعده ، لم يحكم بصحته ، لاحتمال كونه في عدة الشبهة . فإن بان بعد ذلك كون العدة كانت منه بإلحاق القائف ، قال المتولي : فهو على الخلاف في الرجعة . قال : وليس هو من وقف العقود ، وإنما هو وقف على ظهور أمر كان عند العقد .
وإن نكحها مرتين قبل الوضع وبعده ، ففي صحته وجهان ، كالرجعة . قال الإمام : الأصح هنا المنع ، لأن الرجعة تحتمل ما لا يحتمله النكاح ، ولهذا تصح في الإحرام ، والوجهان مفرعان على صحة تجديد الزوج في عدته ، مع أن في ذمتها عدة شبهة ، وإلا فلا يصح قطعا ، لاحتمال تأخر عدة الشبهة ، فلا تصح المرة الأولى للعدة التي في ذمتها ، ولا الثانية ، لكونها في عدة شبهة . فلو نكحها الواطئ بشبهة قبل الوضع أو بعده في القرءين ، لم يصح ، لاحتمال كونها في عدة الزوج . ولو نكحها بعد الوضع في القرءين ، ثم بان بالقائف أن الحمل من الزوج ، ففي [ ص: 391 ] تبين الصحة الخلاف السابق . ولو نكحها في القرء الثالث ، صح قطعا ، لأنها في عدته إن كان الحمل من الزوج ، وإلا فغير معتدة .
المسألة الثانية : سنذكر إن شاء الله تعالى أن الرجعية تستحق ، وأن البائن لا تستحقها إلا إذا كانت حاملا ، ونذكر قولين في أن تلك النفقة للحمل ، أم للحامل ؟ وقولين في أن تلك النفقة تصرف إليها يوما بيوم ، أم يصرف الجميع إليها عند الوضع ؟ وأن النفقة في العدة لا نفقة لها على الواطئ إذا قلنا : النفقة للحامل . المعتدة عن وطء شبهة
إذا عرفت هذه الجمل ، فإن قلنا : النفقة للحامل وهو الأظهر ، لم تطالب المرأة الزوج ولا الواطئ بالنفقة مدة الحمل المحتمل . فإذا وضعت ، نظر ، إن ألحقه القائف بالزوج ، طالبته بنفقة مدة الحمل الماضية ، وهذا إذا لم تصر فراشا للثاني ، بأن لم يوجد إلا وطء شبهة ، وينبغي أن يستثنى زمن اجتماعها بالثاني ، فإن صارت فراشا له ، بأن نكحها جاهلا وبقيت في فراشه حتى وضعت ، فلا نفقة لها على الزوج ، لكونها ناشزة بالنكاح ، فإن فرق الحاكم بينهما قبل الوضع ، طالبته بالنفقة من يوم التفريق إلى الوضع ، ثم لا نفقة لها على الواطئ في عدتها عنه بالأقراء .
وإن ألحقه القائف بالواطئ ، لم يلزم واحدا منهما نفقة مدة الحمل ، ويلزم الزوج نفقة مدة القرءين بعد الوضع إذا كان الطلاق رجعيا ، ويلزمه أيضا نفقة مدة النفاس على الأصح ، كما أن له الرجعة فيها ، ولا يمنع ذلك كونه لا يحسب من العدة كمدة الحيض ، وإن لم نلحقه بواحد منهما ، أو لم يكن قائف ، فلا نفقة على الواطئ ، ولا على الزوج وإن كان الطلاق بائنا ، لأنا لا نعلم حال الحمل ، ولا نفقة إذا لم يكن حمل . وإن كان رجعيا ، فلا نفقة لمدة كونها فراشا ، ولها عليه الأقل من نفقتها من يوم التفريق إلى الوضع ، ونفقتها في القدر الذي تكمل به عدة الطلاق بعد الوضع وهو قرءان في المثال السابق .
هذا إذا قلنا : النفقة للحامل ، فإن قلنا : إنها للحمل ، فعلى أحدهما نفقة مدة الحمل بيقين ، [ ص: 392 ] فإذا أشكل الحال ، أنفقا عليه بالسوية ، فإن قلنا : نصرف الجميع إليها بعد الوضع ، أخذت من كل واحد منهما نصف نفقتهما ، هكذا رتب ابن الصباغ في " جمع الجوامع " ، وهو المذهب . ومنهم من أطلق أنها لا تطالب واحدا منهما في مدة الحمل ، ولم يفرق هؤلاء بين قولنا : النفقة للحمل أو للحامل ، فعلى هذا ، إذا وضعت فألحقه القائف بالواطئ ، قال الإمام والروياني : لا تطالب بالنفقة الماضية ، بناء على أن نفقة القريب تسقط بمضي الزمان ، والذي ذكره والغزالي البغوي وجماعة ، أنه يطالب بتلك النفقة ، وقالوا : هذه النفقة تصير دينا في الذمة وليست كنفقة الأقارب .
قال الإمام : ولم يقل أحد من الأصحاب ، أنه إذا ألحقه القائف بالزوج ، لا يطالب بالنفقة الماضية ، تفريعا على أنها للحمل ، وأنها تسقط بمضي الزمان ، قال : والقياس يقتضي المصير إليه . أما نفقة الولد بعد الوضع وحضانته ، فعلى ما ألحقه القائف به منهما ، فإن لم يكن قائف ، أو أشكل عليه ، فهي عليهما مناصفة إلى أن يوجد القائف ، أو يبلغ الصبي ، فينتسب إلى أحدهما . وقيل : لا يطالبان بالنفقة في مدة الإشكال ، وهو ضعيف . ثم إذا أنفقا ( عليه ) ، ثم لحق الولد بأحدهما بإلحاق القائف ، أو بانتسابه ، رجع الآخر عليه بما أنفق بشرطين ، أحدهما : أن يكون الإنفاق بإذن الحاكم ، وإلا فهو متبرع . والثاني : أن لا يكون مدعيا للولد ، فإن كان يدعيه ، فلا رجوع لأنه أنفق على ولده بزعمه .
ولو مات الولد في زمن الإشكال ، فكفنه عليهما ، وللأم ثلث ماله ، ويوقف الباقي بين الزوج والواطئ حتى يصطلحا . فإن كان لها ولدان آخران ، أو كان لكل واحد من الزوج والواطئ ولدان ، فلها السدس . فإن كان لأحدهما ولدان دون الآخر ، فهل لها الثلث للشك في كونهما أخوين للميت ، أم السدس لأنه اليقين ؟ وجهان .
[ ص: 393 ] قلت : الأصح أو الصحيح أنه السدس . والله أعلم .
ولو أوصى إنسان لهذا الحمل بشيء ، فانفصل حيا ، ثم مات ، فإن مات بعد قبول الزوج والواطئ الوصية ، فالوصية مستقرة ، لأن أحدهما أبوه ، والمال لورثته كما ذكرنا ، وإن مات قبل أن يقبلا ، فحق القبول للورثة .
ولو سمى الموصي أحدهما ، فقال : أوصيت لحمل فلان هذا ، فإن ألحقه القائف بغير المسمى ، بطلت الوصية ، وإن ألحقه به ، صحت ، وإن نفاه باللعان ، ففي بطلانها وجهان .
فرع
ما ذكرناه من كون العدتين من شخصين ، لا يتداخلان إذا كان في شخصين محترمين . فأما إذا ، أو نكحها ووطئها ، ثم أسلمت مع الثاني ، أو دخلا بأمان ، وترافعا إلينا ، فحكي عن النص أنه لا يجمع عليها عدتان ، بل يكفيها واحدة من يوم وطئها الثاني ) . وللأصحاب طرق . أحدها : الاكتفاء بعدة عملا بهذا النص ، لأن حقوقهم ضعيفة ، وماؤهم غير محترم ، فيراعى أصل العدة ، ويجعل جميعهم كشخص . والثاني : القطع بأنه لا بد من عدتين كالمسلمين ، ورد هذا النص . والثالث : على قولين . طلق حربي زوجته ، فوطئها في عدته حربي آخر بشبهة
ونقل السرخسي ، أن بعضهم خرج من هذا النص ، فيما إذا كانت العدتان لمسلمين ، وجعل الصورتين على قولين نقلا وتخريجا ، وهذا غريب ضعيف جدا . فإذا قلنا في الكافرين : يكفي عدة ، فهل نقول : هي للوطء الثاني فقط وتسقط بقية عدة الأول لضعف حقوق الحربي وبطلانها بالاستيلاء عليه ، أو على زوجته ، أم نقول : تدخل بقية العدة الأولى في الثانية ؟ وجهان . والروياني
قلت : أرجحهما الأول . والله أعلم .
[ ص: 394 ] قال المتولي : ولو أسلمت المرأة ، ولم يسلم الثاني ، وجب أن تكمل العدة الأولى ، ثم تعتد عن الثاني قطعا ، لأن العدة الثانية ليست هنا أقوى حتى تسقط بقية الأولى أو تدخل فيها . قال : ولو كان الأول طلقها رجعية ، وأسلمت مع الثاني ، ثم أسلم الأول ، فله الرجعة في بقية عدته ، إن قلنا بدخولها في العدة الثانية . وإن قلنا بسقوطها ، فلا . قال : ولو أراد الثاني أن ينكحها ، فله ذلك إن قلنا : بسقوط بقية العدة الأولى ، لأنها في عدته فقط ، وإن قلنا بدخولها في الثانية ، فلا ، حتى تنقضي تلك البقية ، قال : ولو كانت حاملا من الأول ، لم تكفها عدة واحدة ، بل تستأنف بعد الوضع عدة الثاني . وإن أحبلها الثاني ، فإن قلنا : تسقط بقية الأولى ، فكذا هنا ، ويكفيها وضع الحمل . وإن قلنا بالتداخل ، عادت بعد الوضع إلى بقية العدة الأولى ، لأن الحمل ليس من الأول ، فلا تنقضي به عدته . ولو طلق حربي زوجته ، فوطئها في العدة حربي بنكاح وطلقها حربي ، فيها الخلاف ، وفيه صور الإمام المسألة .