الطرف الثاني : في سبب الاستبراء ، وهو سببان .
[ ص: 427 ] السبب الأول : ، فمن ملك جارية بإرث أو هبة ، أو شراء أو وصية ، أو سبي ، أو عاد ملكه فيها بالرد بالعيب ، أو التحالف ، أو الإقالة ، أو خيار الرؤية ، أو الرجوع في الهبة ، لزمه استبراؤها ، سواء في الإقالة ونحوها ، ما قبل القبض وبعده ، وسواء كان الانتقال إليه ممن يتصور اشتغال الرحم بمائه أو ممن لا يتصور ، كامرأة وصبي ونحوهما ، وسواء كانت الأمة صغيرة ، أو آيسة ، أو غيرهما ، بكرا ، أو ثيبا ، وسواء استبرأها البائع قبل البيع ، أم لا . وعن حصول الملك ابن سريج تخريج في البكر : أنه لا يجب .
وعن المزني : أنه إنما يجب استبراء الحامل والموطوءة . قال الروياني : وأنا أميل إلى هذا ، واحتج رحمه الله بإطلاق الأحاديث في سبايا أوطاس ، مع العلم بأن فيهن الصغار ، والأبكار ، والآيسات . ولا يجب على بائع الأمة استبراؤها قبل البيع ، سواء وطئها أم لا ، لكنه يستحب إن كان وطئها ليكون على بصيرة منها . ولو أقرض جارية لمن لا تحل له ، ثم استردها قبل تصرف المقترض فيها ، لزم المقرض استبراؤها إن قلنا : إن القرض يملك بالقبض ، وإن قلنا : بالتصرف ، لم يلزمه . الشافعي
فرع
كاتب جاريته ، ثم فسخت الكتابة ، أو عجزها السيد ، لزمها الاستبراء .
فرع
لو حرمت على السيد بصلاة أو صوم ، أو اعتكاف أو رهن ، أو حيض أو نفاس ، ثم زالت هذه الأشياء ، حلت بغير استبراء .
فرع
ارتدت أمته ثم أسلمت ، لزمه استبراؤها على الأصح ، لأنه زال ملك الاستمتاع ثم عاد . قال البغوي : الوجهان مبنيان على الوجهين فيما لو اشترى مرتدة ثم أسلمت ، هل يحسب حيضها في زمن الردة من الاستبراء ؟ فإن قلنا : يحسب ، [ ص: 428 ] لم يجب الاستبراء ، وإلا وجب . ولو ارتد السيد ثم أسلم ، فإن قلنا : يزول ملكه بالردة ، لزمه الاستبراء قطعا ، وإلا فعلى الأصح كردة الأمة .
فرع
أحرمت ثم تحللت ، فالمذهب وبه قطع الجمهور : أنه لا استبراء كما لو صامت ثم أفطرت . وقيل : وجهان كالردة .
فرع
زوج أمته ، فطلقت قبل الدخول ، فهل على السيد استبراؤها ؟ قولان يأتي بيانهما إن شاء الله تعالى .
فرع
باعها بشرط الخيار ، فعادت إليه بالفسخ في مدة الخيار ، ففي وجوب الاستبراء خلاف ، المذهب منه أنه يجب إن قلنا : يزول ملك البائع بنفس العقد ، وإلا فلا .
فرع
اشترى زوجته ، فوجهان . الأصح المنصوص ، أنه يدوم حل وطئها ، ولا يجب الاستبراء ، لكن يستحب ، أما أنه لا يجب ، فلأنه لم يتجدد حل ، ولأنه لا يؤدي إلى اختلاط ماء ، وأما استحبابه ، فلتمييز ولد النكاح عن ولد ملك اليمين ، فإنه في النكاح ينعقد مملوكا ، ثم يعتق ولا تصير به أم ولد . وفي ملك اليمين ينعقد حرا وتصير أم ولد . والثاني : يجب الاستبراء لتجدد الملك . ولو اشتراها بشرط الخيار ، فهل له وطؤها في مدة الخيار لأنها منكوحة أو مملوكة ، أم لا للتردد في حالها ؟ وجهان ، قال البغوي : المنصوص أنه لا يحل . ولو طلقها [ ص: 429 ] ثم اشتراها في العدة ، وجب الاستبراء قطعا ، لأنه ملكها وهي محرمة عليه . ولو اشترى زوجته ثم أراد تزويجها لغيره ، لم يجز إن كان دخل بها قبل الشراء إلا بعد قرءين ، لأنه إذا انفسخ النكاح وجب أن تعتد منه ، فلا تنكح غيره حتى تنقضي عدتها بقرءين . فلو مات عقب الشراء ، لم يلزمها عدة الوفاة ، بل تكمل عدة الانفساخ ، كذا ذكره ابن الحداد ، وحكى عن نصه في " الإملاء " .
فرع
اشترى مزوجة أو معتدة عن زوج ، أو وطء شبهة ، والمشتري عالم بالحال أو جاهل ، وأجاز البيع ، فلا استبراء في الحال ، لأنها مشغولة بحق غيره . فإن طلقت قبل الدخول أو بعده ، وانقضت عدة الشبهة ، فهل يلزم للمشتري الاستبراء ؟ قولان . أظهرهما : نعم . وقد يقال : يجب الاستبراء ، ويرد الخلاف إلى أنه هل تدخل في العدة ؟ واستنبط القاضي حسين من القولين عبارتين يتخرج عليهما مسائل .
إحداهما : أن الموجب للاستبراء حدوث ملك الرقبة مع فراغ محل الاستمتاع .
والثانية : أن الموجب حدوث حل الاستمتاع في المملوكة بملك اليمين ، فعلى العبارة الأولى : لا يجب الاستبراء عند انقضاء العدة ، لأنه لم يحدث حينئذ ملك ، وعند حدوثه لم يكن محل الاستمتاع فارغا ، وعلى الثانية : يجب . وخرج بعضهم عليهما الخلاف فيما لو اشترى مجوسية فحاضت ثم أسلمت ، هل يلزم الاستبراء بعد الإسلام ، أم يكفي ما سبق ؟ وكذا الخلاف فيما لو زوج وطلقت قبل الدخول ، هل على السيد استبراء ؟ فعلى الأولى ، لا . وعلى الثانية ، نعم . ويجري الخلاف فيما لو زوجها وطلقت بعد الدخول وانقضت عدتها ، أو وطئت بشبهة وانقضت عدتها .
[ ص: 430 ] وإذا قلنا : فيما إذا اشترى مزوجة وطلقت ، لا يجب الاستبراء ، فلمن يريد تعجيل الاستمتاع أن يتخذ ذلك حيلة في اندفاع الاستبراء ، فيسأل البائع أن يزوجها ثم يشتريها ، ثم يسأل الزوج أن يطلقها ، فتحل في الحال ، لكن لا يجوز تزويج الموطوءة إلا بعد الاستبراء ، فإنما يحصل الغرض إذا لم تكن موطوءة ، أو كان البائع قد استبرأها .
وإذا كانت الجارية كذلك ، فلو أعتقها المشتري في الحال ، وأراد أن يزوجها البائع أو غيره ، أو يتزوجها بنفسه ، جاز على الأصح ، ذكره البغوي وغيره . فعلى هذا ، من يريد تعجيل الاستمتاع يمكنه أن يعتقها في الحال ويتزوجها ، ولا يحتاج إلى سؤال البائع أن يزوجها أولا إذا كان يسمح بفوات ماليتها .
فرع
إذا تم ملكه على جميع جارية كانت مشتركة بينه وبين غيره ، لزمه الاستبراء ، ولو أسلم في جارية وقبضها ، فوجدها بغير الصفة المشروطة فردها ، لزم المسلم إليه الاستبراء .
فرع
إذا كانت الجارية المشتراة محرما للمشتري ، أو اشترتها امرأة أو رجلان ، فلا معنى للاستبراء إلا فيما يرجع إلى التزويج .
فرع
ظهر بالمشتراة حمل فقال البائع : هو مني ، نظر ، إن صدقه المشتري ، فالبيع باطل باتفاقهما ، والجارية مستولدة للبائع . وإن كذبه ، نظر ، إن لم يقر البائع بوطئها عند البيع ولا قبله ، لم يقبل قوله ، كما لو قال بعد البيع : كنت أعتقته ، لكن يحلف المشتري ، أنه لا يعلم كون الحمل منه . وفي ثبوت نسبه من البائع [ ص: 431 ] خلاف ، لأنه يقطع إرث المشتري بالولاء ، وإن كان أقر بوطئها ، نظر ، إن كان استبرأها ثم باعها ، ثم ولدت لدون ستة أشهر من وقت استبراء المشتري ، فالولد لاحق بالبائع ، والجارية مستولدة له ، والبيع باطل ، وإن ولدت لستة أشهر فأكثر ، لم يقبل قوله ، ولم يلحقه الولد ، لأنه لو كان ملكه ، لم يلحقه ، ثم ينظر ، إن لم يطأها المشتري ، أو وطئها وولدت لدون ستة أشهر من وقت وطئه ، فالولد مملوكه . وإن ولدته لستة أشهر فأكثر من وطئه ، فالولد لاحق بالمشتري ، والجارية مستولدة له . وإن لم يستبرئها البائع قبل البيع ، نظر ، إن ولدت لأقل من ستة أشهر من وقت استبراء المشتري ، أو لأكثر ولم يطأها المشتري ، فالولد للبائع ، والبيع باطل . وإن وطئها المشتري وأمكن أن يكون من هذا ، وأن يكون من ذاك ، عرض على القائف .
فرع
، لحصول البراءة ، فلو اشتراها من شريكين وطئاها في طهر واحد ، فهل يكفي استبراء لحصول البراءة ، أم يجب استبرءان كالعدتين من شخصين ؟ وجهان . ويجريان فيما لو وطئاها وأرادا تزويجها ، فهل يكفي استبراء ، أم يجب استبراءان . ولو وطئ أجنبيان أمة كل يظنها أمته ، قال لا يجب في شراء الأمة التي كان البائع يطؤها إلا استبراء واحد المتولي : وطء كل واحد يقتضي استبراء بقرء . وفي تداخلهما وجهان . أصحهما : المنع .
فصل
من ملك أمة ، لم يجز له وطؤها حتى ينقضي الاستبراء . وأما الاستمتاع بالقبلة واللمس والنظر بشهوة ونحوها ، فحرام إن ملكها بغير السبي ، وإن ملكها بالسبي ، فحلال على الأصح .
وإذا طهرت من الحيض وتم الاستبراء ، بقي تحريم الوطء حتى تغتسل ، ويحل الاستمتاع قبل الغسل على الصحيح .
فصل
وجوب الاستبراء لا يمنع المالك من إثبات اليد على الجارية ، بل هو مؤتمن فيه [ ص: 432 ] شرعا ، لأن سبايا أوطاس لم ينزعن من أيدي أصحابهن ، وسواء كانت حسناء أم قبيحة .
فصل
لو مضى زمن الاستبراء بعد الملك وقبل القبض ، هل يعتد به ؟ نظر ، إن ملك بالإرث ، اعتد به ، وإن ملك بالهبة ، فلا . وإن ملك بالشراء ، اعتد به على الأصح ، وفي الوصية ، لا يعتد بما قبل القبول ، ويعتد بما بعده على المذهب . ولو وقع الحمل أو الحيض في زمن خيار الشرط في الشراء ، فإن قلنا : الملك للبائع ، لم يحصل الاستبراء . وإن قلنا : للمشتري ، لم يحصل أيضا على الأصح ، لضعف الملك . وقيل : يحصل ، وقيل : يحصل في صورة الحمل دون الحيض ، لقوة الحمل .
فرع
لو اشترى مجوسية أو مرتدة ، فمضت عليها حيضة ، أو ولدت ثم أسلمت ، فهل تعتد بالاستبراء في الكفر لوجود الملك ، أم يجب بعد الإسلام ليستعقب حل الاستمتاع ؟ وجهان ، أصحهما الثاني .
فرع
إذا اشترى العبد المأذون له جارية ، فللسيد وطؤها إن لم يكن على العبد دين ، فإن كان ، لم يجز ، لئلا يحبلها . فإن انفكت عن الديون بقضاء أو إبراء ، وقد جرى قبل الانفكاك ما يحصل به الاستبراء ، فهل يعتد به ، أم يشترط وقوع الاستبراء بعد الانفكاك ؟ وجهان كالمجوسية ، أصحهما الثاني ، وبه قطع العراقيون .
ولو رهنها قبل الاستبراء ، ثم انفك الرهن ، قال في " الشامل " : يجب استبراؤها ، ولا يعتد بما جرى ، وهي مرهونة ، وغلطه الروياني .
[ ص: 433 ] فرع
لو ، وقلنا بتحريمه ، أثم ، ولا ينقطع الاستبراء ، لأن الملك لا يمنع الاحتساب ، فكذا المعاشرة بخلاف العدة . وطئها قبل الاستبراء ، أو استمتع بها
فلو أحبلها بالوطء في الحيض ، فإن انقطع الدم ، حلت له لتمام الحيضة ، وإن كانت طاهرا عند الإحبال ، لم ينقض الاستبراء حتى تضع الحمل ، هذا لفظه في الوسيط وبالله التوفيق .