الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
هذا nindex.php?page=treesubj&link=20989دليل الخصم على نفي الحقائق الشرعية .
وتقريره : لو ثبتت الحقائق الشرعية على ما ذكرتم لم تكن عربية ، لأن العرب لم تضعها ، وكل ما لم تضعه العرب ، فليس بعربي ، فالحقائق الشرعية لو ثبتت لم تكن عربية ، ولو لم تكن عربية لم يكن القرآن عربيا ، لكن القرآن عربي ، فهذه الحقائق الشرعية عربية .
أما الملازمة ، فلأن أسماء هذه الحقائق ، كالصلاة ونحوها مذكورة في القرآن ، فهي بعضه ، فلو لم تكن عربية ، لكان بعض القرآن غير عربي ، وإذا كان بعض القرآن غير عربي ، لم يكن جميعه عربيا .
وأما انتفاء اللازم ، وهو أن القرآن عربي ، فبالنص والإجماع ، وإذا انتفى اللازم انتفى ملزومه ، وهو أن هذه الحقائق غير عربية ، فتكون عربية والعربي ما وضعته العرب ، فتكون هذه الحقائق من موضوعات العرب ، وذلك ينفي كونها من موضوعات الشرع وضعا استقلاليا ، فثبت أنه أبقاها على موضوعاتها في الأصل ، وزادها شروطا شرعية ، وهو المطلوب .
قوله : " قلنا عربية " ، إلى آخره .
وتقرير هذا الجواب من وجهين : [ ص: 497 ]
أحدهما : nindex.php?page=treesubj&link=21002لا نسلم أن العرب لو لم تضع هذه الحقائق لم تكن عربية ، قولهم : لأن كل ما لم تضعه العرب ، فليس بعربي ، ممنوع ، بل جاز أن تكون هذه الحقائق عربية ، بوضع الشارع لها مجازا عن الوضع اللغوي ، ونحن قد بينا أن الحقيقة الشرعية مجاز لغوي ، ولو صح أن كل ما لم تضعه العرب لا يكون عربيا ، لخرجت مجازات اللغة عن أن تكون عربية ، لأنها لم تضعها العرب على مسمياتها ، فكما سميت مجازات أهل اللغة عربية - مع أنها ليست موضوعة وضعا أوليا - فكذا حقائق الشرع التي هي مجازات بالإضافة إلى اللغة .
وموضع المؤاخذة في المقدمة المذكورة أن يقال : ما المراد بقولكم : إن العرب لم تضعها ؟ إن أردتم لم تضعها وضعا أوليا في اللغة فمسلم ، لكن لا يلزم من ذلك أن لا تكون عربية ، بدليل المجاز اللغوي ، فإنه عربي وليس موضوعا وضعا أوليا ، وإن أردتم أنهم لم يستعملوها أصلا فممنوع ، إذ هي مشهورة في لغتهم ، وباستعمالهم لها صح استعارة الشارع لها ، وتجوزه بها إلى المعاني الشرعية ، وذلك يصحح كونها عربية مجازا ، لأن حد المجاز موجود فيها .
الوجه الثاني في الجواب : أنا وإن سلمنا الحقائق الشرعية ليست عربية ، لكنا لا نسلم أن القرآن يخرج بذلك عن كونه عربيا في عرب اللغة ، لأن تلك الألفاظ يسيرة بالنسبة إلى مجموع القرآن ، واليسير لا يغلب الكثير ، وقد وقع في شعر الفصحاء ، كالأعشى وغيره ألفاظ أعجمية ، ولم يخرج شعرهم بذلك عن كونه عربيا . وسيأتي الكلام - إن شاء الله سبحانه وتعالى - في أن في القرآن المعرب ، وهو ما أصله غير عربي ، وهو كما نحن فيه أو قريب منه . وغاية ما يلزم من ذلك عند التحقيق تخصيص قوله سبحانه وتعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا [ الزخرف : 3 ] بألفاظ [ ص: 498 ] يسيرة منه ، وذلك أمر سهل ، إذ التخصيص كثير ، فهو أسهل مما يلزمكم على تقدير نفي الحقائق الشرعية من الإبهام ، وجعل الشارع تابعا للواضع .
قوله : " قالوا : لو فعل " ، إلى آخره .
هذا دليل آخر لمنكري الحقائق الشرعية . وتقريره : أن الشارع لو وضع للمعاني الشرعية أسماء كما ذكرتم ، لوجب أن تعرف الأمة ذلك بطريق علمي ، لكنه لم يعرفهم ذلك ، فلا يكون قد وضع للمعاني الشرعية أسماء وضعا استقلاليا .
أما الملازمة ، فلأنه لو وضع لها ، ولم يعرف الأمة بذلك ، لكان تكليفا بما لا يطاق ، وهو ممتنع .
وأما أنه لم يعرف الأمة بوضع الأسماء الشرعية ، فلأن طريق التعريف : العلم ، أما العقل ، فلا تصرف له في اللغات ونحوها ، أو النقل ، وتواتره مفقود ، وإلا لحصل العلم بذلك كحصول العلم بوجوب الصلاة ونحوها ، والآحاد لا تفيد العلم .
وأما أنه يلزم من عدم تعريف الأمة بالوضع المذكور عدم ذلك الوضع ، فلأنا قد دللنا على أن التعريف لازم للوضع ، وإذا انتفى ملزومه .