الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 68 ]

                أحمدك على ما أسلت من وابل الآلاء ، وأزلت من وبيل اللأواء ، وأسبلت من جميل الغطاء ، وأزللت من كفيل الإحسان .

                التالي السابق


                قوله : " أحمدك على ما أسلت من وابل الآلاء ، وأزلت من وبيل اللأواء ، وأسبلت من جميل الغطاء ، وأزللت من كفيل الإحسان " .

                أحمدك ، بفتح الميم ، قال الجوهري : الحمد نقيض الذم ، تقول : حمدت الرجل أحمده حمدا ومحمدة ، فهو حميد ومحمود ، والتحميد أبلغ من الحمد ، والحمد أعم من الشكر .

                قلت : أما أن التحميد أبلغ ، فلأن بناءه - وهو التفعيل - يفيد التكثير والتكرار ، والكثير أبلغ من القليل في حصول المقصود ، وأما أن الحمد أعم من الشكر ، فلأن الشكر إنما يكون على الصنيعة المعتدية إلى الغير ، والحمد يكون على ذلك وعلى الصفات اللازمة ، كالشجاعة والعلم والحلم ونحوه .

                قال ابن هشام في " شرح الفصيح " : الشكر لا يكون إلا مجازاة ، والحمد يكون ابتداء ومجازاة . قلت : هو معنى الذي قبله ، وقيل : الحمد والشكر سيان ، وقيل : الحمد بالقول والشكر بالفعل ، وقيل غير ذلك .

                وأسلت : أجريت إجراء متتابعا بشدة ، ومنه السيل للمطر إذا كان كذلك ، والوابل : المطر الشديد ، يقال : وبلت السماء تبل ، وأرض موبولة . والآلاء : النعم ، [ ص: 69 ] واحدها ألا بالفتح ، وقد تكسر ، وتكتب بالياء مثل معى وأمعاء . وأزلت : من الإزالة ، وهي النقل والتحويل ، والوبيل : فعيل من الوبال بالفتح وهو الثقل والوخامة ، ومرتع وبيل ، أي : وخيم ، ولعل الوبال من هذا . واللأواء : الشدة ، والمراد أن اللأواء لذاتها صفة وخيمة فنعوذ بك منها .

                وأسبلت : من سبل إزاره : إذا أرخاه ، وهو الإسبال ، والجميل : الحسن ، وأصله : الشحم المذاب ، قالوا : وجه جميل أي كأنه لنضارته وبريقه دهن بالجميل ، ثم قيل لكل حسن : جميل ، والغطاء أصله الارتفاع وغطا الماء وكل شيء إذا ارتفع ، [ وطال على شيء فقد غطا عليه ] ، وغطا الليل يغطو ويغطي : إذا أظلم ، لأنه يرتفع على الأشياء ويعلو عليها فيخفيها ، والغطاء كذلك يعلو من تحته فيخفيه .

                وأزللت : أصله من الزلل ، وهو الميل ، يقال : زل عن الطريق ونحوه إذا مال عنه ، وفي الكتاب العزيز : فأزلهما الشيطان عنها [ البقرة : 36 ] أي أمالهما ، فالمعنى : أملت إلينا من الإحسان ، يقال : أزل فلان إلي نعمه ، أي أمالها ، وهذا متحقق ، فإن النعم في الأصل كلها لله عز وجل ، لا يستحق أحد منها شيئا ، ونسبتها إلى كل واحد من [ ص: 70 ] آحاد الخلق على السواء ، فإذا خص الله سبحانه عبدا بنعمة ما ، فقد أمالها إليه عن غيره .

                وكفيل الإحسان : شامله وعامه : من الكفل ، وهو كساء يدار حول سنام البعير ، ثم يركب ، ويجوز في معنى الضامن ، أي : إحسانك إلينا تكفل لنا بالكفاية والغناء وكل خير ، ومضمون هذه الجملة هو مطلوب كل عاقل ، ومتعلق الحمد عنده ، وذلك لأن مطلوب العاقل ، إما دفع ضرر وهو اللأواء ، أو حصول نفع وهو إسالة الإحسان والآلاء ، وإسبال جميل الغطاء .




                الخدمات العلمية