الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 392 ]

                المبيح : خلقها لا لحكمة عبث ، ولا حكمة إلا انتفاعنا بها إذ هو خال عن مفسدة كالشاهد .

                التالي السابق


                قوله : " المبيح " ، أي ، احتج القائل بإباحة الأفعال في الأعيان قبل ورود الشرع بأن قال : " خلقها لا لحكمة عبث " إلى آخره .

                وتقرير حجته أن خلق الأعيان لغير حكمة عبث ، والبارئ جل جلاله منزه عن العبث ، " ولا حكمة " في خلقها " إلا انتفاعنا بها " فيكون مباحا ، لأنه انتفاع خال عن مفسدة كما في الشاهد ، أي : الحكم المشاهد بين المخلوقين ، وهو أن الانتفاع الخالي عن مفسدة مباح فيما بينهم ، كالاستظلال بجدار الغير والاستضاءة بناره .

                أما أن خلق الأعيان لغير حكمة عبث ، فلأن ذلك لا فائدة له عبث ، ولأن حقيقة العبث هو الفعل الخالي عن حكمة أو خلو الفعل عن حكمة ، وأما أن البارئ جل جلاله منزه عن العبث فلقوله سبحانه وتعالى : أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون [ المؤمنون : 115 ] ، أنكر عليهم حسبانهم أنه خلقهم عبثا لا لحكمة ولا لفائدة ، والعبث في اللغة : اللعب ، بل إنما خلقهم لحكمة ، وهي الامتحان بالتكليف ثم الجزاء على ما يكون منهم في المعاد ، ثم نزه نفسه عن ذلك بقوله سبحانه وتعالى : فتعالى الله الملك الحق [ المؤمنون : 116 ] ، أي : عما ظننتموه من العبث ، وأما أنه لا حكمة في خلقها إلا انتفاعنا بها ، فلأن العقل والعرف جاريان بأن الحكيم إذا بنى دارا ، وملأها من المآكل والمشارب ، وأنواع ما [ ص: 393 ] يستمتع به ، ودعا إليها الناس ، أنه أذن لهم في الاستمتاع والانتفاع بذلك ، فالله سبحانه وتعالى أحكم الحكماء ، وهذه الدنيا وما فيها داره وملكه ، والخلق ضيوفه ، فيكون ذلك إذنا لهم في الانتفاع بها هو المطلوب .

                وأما أنه انتفاع خال عن مفسدة ، فلأن المفسدة إما لحوق الضرر بالمنتفع أو بالمالك ، وكلاهما منتف . أما المنتفع ، فلأن تضرره إما من جهة انتفاعه ، وهو جمع بين الضدين وهو محال ، أو من جهة أخرى ، ولا دليل عليها والأصل عدمها ، وأما المالك ، فهو الله سبحانه وتعالى ، ولحوق الضرر والنفع له محال .

                فثبت بما ذكرناه أن الانتفاع بالأعيان قبل الشرع مباح .




                الخدمات العلمية