[ ص: 50 ] المسألة الرابعة
وإن ظهر ببادئ الرأي أن الرخص تخصصها ; فليست بمخصصة لها في الحقيقة ، بل العزائم باقية على عمومها ، وإن أطلق عليها أن الرخص خصصتها ; فإطلاق مجازي لا حقيقي . عمومات العزائم
والدليل على ذلك أن ; إما أن تقع بالنسبة إلى ما لا يطاق ، أو لا فإن كان الأول فليست برخصة في الحقيقة ; إذ لم يخاطب بالعزيمة من لا يطيقها ، وإنما يقال هنا : إن الخطاب بالعزيمة مرفوع من الأصل بالدليل الدال على رفع تكليف ما لا يطاق ; فانتقلت العزيمة إلى هيئة أخرى ، وكيفية مخالفة للأولى كالمصلي لا يطيق القيام ; فليس بمخاطب بالقيام ، بل صار فرضه الجلوس أو على جنب أو ظهر ، وهو العزيمة عليه ، وإن كان الثاني ; فمعنى الرخصة في حقه أنه إن انتقل إلى الأخف ; فلا جناح عليه ، لا أنه سقط عنه فرض القيام . حقيقة الرخصة
والدليل على ذلك أنه إن تكلف فصلى قائما ; فإما أن يقال : إنه أدى الفرض على كمال العزيمة ، أو لا ; فلا يصح أن يقال : إنه لم يؤده على كماله ; إذ قد ساوى فيه الصحيح القادر من غير فرق ; فالتفرقة بينهما تحكم من غير دليل ; فلابد أنه أداه على كماله ، وهو معنى كونه داخلا تحت عموم الخطاب بالقيام [ ص: 51 ] فإن قيل : إذا قلت : إن العزيمة مع الرخصة من باب خصال الكفارة بالنسبة إليه ; فأي الخصلتين فعل فعلى حكم الوجوب ، وإذا كان ذلك كذلك ; فعمله بالعزيمة عمل على كمال ، وقد ارتفع عنه حكم الانحتام ، وذلك ; فقد تخصصت عمومات العزائم بالرخص على هذا التقرير ; فلا يستقيم القول ببقاء العمومات إذ ذاك . معنى تخصيص عموم العزيمة بالرخصة
وأيضا ، فإن جمع بين متنافيين ; لأن معنى بقاء العزيمة أن القيام في الصلاة واجب عليه حتما ، ومعنى جواز الترخص أن القيام ليس بواجب حتما ، وهما قضيتان متناقضتان ، لا تجتمعان على موضوع واحد ; فلا يصح القول ببقاء العموم بالنسبة إلى من يشق عليه القيام في الصلاة . الجمع بين بقاء حكم العزيمة ومشروعية الرخصة
وأمر ثالث ، وهو أن ، فلو كانت العزيمة هنا باقية على أصلها من الوجوب المنحتم ; لزم من ذلك التخيير بين الواجب وغير الواجب ، والقاعدة أن ذلك محال لا يمكن ; فما أدى إليه مثله . الرخصة قد ثبت التخيير بينها وبين العزيمة
فالجواب : أن العزيمة مع الرخصة ليستا من باب خصال الكفارة إذ لم يأت دليل ثابت يدل على حقيقة التخيير ، بل الذي أتى في حقيقة الرخصة أن من ارتكبها ; فلا جناح عليه خاصة ، لا أن المكلف مخير بين العزيمة والرخصة ، وقد تقدم الفرق بينهما في كتاب الأحكام في فصل العزائم والرخص ، وإذا ثبت [ ص: 52 ] ذلك ; فالعزيمة على كمالها وأصالتها في الخطاب بها ، وللمخالفة حكم آخر .
وأيضا ; فإن ، الخطاب بالعزيمة من جهة حق الله تعالى ; فليسا بواردين على المخاطب من جهة واحدة ، بل من جهتين مختلفتين ، وإذا اختلفت الجهات أمكن الجمع وزال التناقض المتوهم في الاجتماع ، ونظير تخلف العزيمة للمشقة تخلفها للخطأ ، والنسيان ، والإكراه ، وغيرها من الأعذار التي يتوجه الخطاب مع وجودها مع أن التخلف غير مؤثم ولا موقع في محظور ، وعلى هذا ينبني معنى آخر يعم هذه المسألة وغيرها وهو أن والخطاب بالرخصة من جهة حق العبد ; فأحكام تلك العزائم متوجهة على عمومها من غير تخصيص ، وإن أطلق عليها أن الأعذار خصصتها ; فعلى المجاز لا على الحقيقة ، ولنعدها مسألة على حدتها ، وهي : العمومات التي هي عزائم إذا رفع الإثم عن المخالف فيها لعذر من الأعذار