الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              فصل

              وقد ظهر مما تقدم الجواب عما أوردوا من الأحاديث التي قالوا إن القرآن لم ينبه عليها ; فقوله عليه الصلاة والسلام : يوشك رجل منكم متكئا على أريكته إلى آخره لا يتناول ما نحن فيه ; فإن الحديث إنما جاء فيمن يطرح السنة معتمدا على رأيه في فهم القرآن وهذا لم ندعه في مسألتنا هذه ، بل هو رأي أولئك الخارجين عن الطريقة المثلى ، وقوله : ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما حرم الله صحيح على الوجه المتقدم ; إما بتحقيق المناط الدائر بين الطرفين الواضحين والحكم عليه ، وإما بالطريقة القياسية ، وإما بغيرها من المآخذ المتقدمة .

              ومر الجواب عن تحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها ، وتحريم كل [ ص: 403 ] ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير ، وعن العقل .

              وأما فكاك الأسير ; فمأخوذ من قوله تعالى : وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر [ الأنفال : 72 ] وهذا فيمن لم يهاجر إذا لم يقدر على الهجرة إلا بالانتصار بغيره فعلى الغير النصر ، والأسير في هذا المعنى أولى بالنصر ، فهو مما يرجع إلى النظر القياسي .

              وأما أن لا يقتل مسلم بكافر ; فقد انتزعها العلماء من الكتاب كقوله : ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا [ النساء : 141 ] وقوله : لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة [ الحشر : 20 ] وهذه الآية أبعد ، ولكن الأظهر أنه لو كان حكمها موجودا في القرآن على التنصيص أو نحوه لم يجعلها علي خارجة عن القرآن ; حيث قال : ما عندنا إلا كتاب الله ، وما في هذه الصحيفة إذ لو كان في القرآن لعد الثنتين دون قتل المسلم بالكافر ، ويمكن أن يؤخذ حكم المسألة مأخذ القياس المتقدم ; لأن الله تعالى قال : الحر بالحر والعبد بالعبد [ البقرة : 178 ] [ ص: 404 ] فلم يقد من الحر للعبد ، والعبودية من آثار الكفر ; فأولى أن لا يقاد من المسلم للكافر وأما إخفار ذمة المسلم ; فهو من باب نقض العهد ، وهو في القرآن ، وأقرب الآيات إليه قوله تعالى : والذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك لهم اللعنة ولهم سوء الدار [ الرعد : 25 ] وفي الآية الأخرى : أولئك هم الخاسرون [ البقرة : 27 ] وقد مر تحريم المدينة وانتزاعه من القرآن ، وأما من تولى قوما بغير إذن مواليه ; فداخل بالمعنى في قطع ما أمر الله به أن يوصل .

              وأيضا ; فإن الانتفاء من ولاء صاحب الولاء الذي هو لحمة كلحمة النسب كفر لنعمة ذلك الولاء ، كما هو في الانتساب إلى غير الأب ، وقد قال تعالى فيها : والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون [ النحل : 72 ] وصدق هذا المعنى ما في الصحيح من قوله : أيما عبد أبق من مواليه ; [ ص: 405 ] فقد كفر حتى يرجع إليهم .

              وفيه : إذا أبق العبد لم تقبل له صلاة ، وحديث معاذ ظاهر في أن ما لم يصرح به في القرآن ، ولا حصل بيانه فيه ; فهو مبين في السنة ، وإلا ; فالاجتهاد يقضي عليه ، وليس فيه معارضة لما تقدم .

              التالي السابق


              الخدمات العلمية