الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
              صفحة جزء
              ولهذه المسألة فوائد تنبني عليها أصلية وفرعية وذلك أنها إذا تقررت عند المجتهد ، ثم استقرى معنى عاما من أدلة خاصة ، واطرد له ذلك المعنى [ ص: 65 ] لم يفتقر بعد ذلك إلى دليل خاص على خصوص نازلة تعن بل يحكم عليها وإن كانت خاصة بالدخول تحت عموم المعنى المستقرى من غير اعتبار بقياس أو غيره ; إذ صار ما استقرئ من عموم المعنى كالمنصوص بصيغة عامة فكيف يحتاج مع ذلك إلى صيغة خاصة بمطلوبه ؟ ومن فهم هذا هان عليه الجواب عن إشكال القرافي الذي أورده على أهل مذهب مالك ، حيث استدلوا في سد الذرائع على الشافعية بقوله تعالى ولا تسبوا [ الأنبياء : 108 ] وقوله ولقد علمتم الذين اعتدوا منكم في السبت [ البقرة : 65 ] وبحديث لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها إلخ وقوله : لا تجوز شهادة خصم ولا ظنين [ ص: 66 ] قال فهذه وجوه كثيرة يستدلون بها وهي لا تفيد فإنها تدل على اعتبار الشرع سد الذرائع في الجملة ، وهذا مجمع عليه ، وإنما النزاع في ذرائع خاصة ، وهي بيوع الآجال ونحوها ; فينبغي أن تذكر أدلة خاصة بمحل النزاع ، وإلا ; فهذه لا تفيد .

              قال : وإن قصدوا القياس على هذه الذرائع المجمع عليها فينبغي أن تكون حجتهم القياس خاصة ويتعين عليهم حينئذ إبداء الجامع حتى يتعرض الخصم لدفعه بالفارق ، ويكون دليلهم شيئا واحدا وهو القياس ، وهم لا يعتقدون ذلك ، بل يعتقدون أن مدركهم النصوص ، وليس كذلك ، بل ينبغي أن يذكروا نصوصا خاصة بذرائع بيوع الآجال خاصة ويقتصرون عليها ; كحديث [ ص: 67 ] أم ولد زيد بن أرقم هذا ما قال في إيراد هذا الإشكال .

              وهو غير وارد على ما تقدم بيانه لأن الذرائع قد ثبت سدها في خصوصات كثيرة بحيث أعطت في الشريعة معنى السد مطلقا عاما وخلاف الشافعي هنا غير قادح في أصل المسألة ولا خلاف أبي حنيفة .

              أما الشافعي ; فالظن به أنه تم له الاستقراء في سد الذرائع على العموم ، ويدل عليه قوله بترك الأضحية إعلاما بعدم وجوبها ، وليس في ذلك دليل صريح من كتاب أو سنة ، وإنما فيه عمل جملة من الصحابة ، وذلك عند الشافعي ليس [ ص: 68 ] بحجة ، لكن عارضه في مسألة بيوع الآجال دليل آخر راجح على غيره فأعمله ; فترك سد الذريعة لأجله ، وإذا تركه لمعارض راجح لم يعد مخالفا في أصله وأما أبو حنيفة ، فإن ثبت عنه جواز إعمال الحيل ; لم يكن من أصله في بيوع الآجال إلا الجواز ولا يلزم من ذلك تركه لأصل سد الذرائع وهذا واضح إلا أنه نقل عنه موافقة مالك في سد الذرائع فيها وإن خالفه في بعض التفاصيل ، وإذا كان كذلك فلا إشكال [ ص: 69 ] المسألة

              التالي السابق


              الخدمات العلمية