[ ص: 180 ] المسألة الخامسة
تعريف القرآن بالأحكام الشرعية أكثره كلي لا جزئي ، وحيث جاء جزئيا ; فمأخذه على الكلية إما بالاعتبار ، أو بمعنى الأصل ; إلا ما خصه الدليل مثل خصائص النبي صلى الله عليه وسلم ويدل على هذا المعنى بعد الاستقراء المعتبر أنه محتاج إلى كثير من البيان ; فإن ، كما سيأتي شرحه إن شاء الله تعالى ، وقد قال الله تعالى السنة على كثرتها وكثرة مسائلها إنما هي بيان للكتاب وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم [ النحل : 44 ] وفي الحديث : [ ص: 181 ] وإنما الذي أعطي القرآن وأما السنة ; فبيان له ، وإذا كان كذلك ; فالقرآن على اختصاره جامع ، ولا يكون جامعا إلا والمجموع فيه أمور كليات ; لأن الشريعة تمت بتمام نزوله لقوله تعالى ما من نبي من الأنبياء إلا أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي ; فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة اليوم أكملت لكم دينكم الآية [ المائدة : 3 ] .
وأنت تعلم أن الصلاة والزكاة والجهاد وأشباه ذلك لم يتبين جميع أحكامها في القرآن ، إنما بينتها السنة ، وكذلك العاديات من الأنكحة والعقود والقصاص والحدود وغيرها [ ص: 182 ] وأيضا ، فإذا نظرنا إلى رجوع الشريعة إلى كلياتها المعنوية ; وجدناها قد تضمنها القرآن على الكمال ، وهي الضروريات والحاجيات والتحسينات ومكمل كل واحد منها ، وهذا كله ظاهر أيضا ; فالخارج من الأدلة عن الكتاب هو السنة والإجماع والقياس ، وجميع ذلك إنما نشأ عن القرآن ، وقد عد الناس قوله تعالى : لتحكم بين الناس بما أراك الله [ النساء : 105 ] متضمنا للقياس ، وقوله : وما آتاكم الرسول فخذوه [ الحشر : 7 ] متضمنا للسنة ، وقوله : ويتبع غير سبيل المؤمنين [ النساء : 115 ] متضمنا للإجماع ، وهذا أهم ما يكون .
وفي الصحيح عن ; قال : ابن مسعود بني أسد ، يقال لها أم يعقوب ، [ ص: 183 ] وكانت تقرأ القرآن ; فأتته فقالت : ما حديث بلغني عنك أنك لعنت كذا وكذا ؟ فذكرته فقال عبد الله : ومالي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله ؟ فقالت المرأة : لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته ! فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، قال الله عز وجل : وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ الحشر : 7 ] الحديث لعن الله الواشمات والمستوشمات إلخ ، فبلغ ذلك امرأة من وعبد الله من العالمين بالقرآن