الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  2519 28 - حدثنا ابن سلام قال : أخبرنا عبد الوهاب قال : حدثنا خالد الحذاء ، عن عبد الرحمن بن أبي بكرة ، عن أبيه قال : أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال : ويلك قطعت عنق صاحبك ، قطعت عنق صاحبك مرارا ، ثم قال : من كان منكم مادحا أخاه لا محالة فليقل : أحسب فلانا والله حسيبه ولا أزكي على الله أحدا ، أحسبه كذا وكذا إن كان يعلم ذلك منه .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  قال الكرماني : قال شارح التراجم : وجه مطابقة الحديث للترجمة أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم أرشد إلى أن التزكية كيف تكون ، فلو لم تكن مقيدة لما أرشد إليها ، لكن للمانع أن يقول : إنها مقيدة مع تزكية أخرى لا بمفردها ، وليس في الحديث ما يدل على أحد الطريقين . انتهى .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : قوله : إنها مقيدة مع تزكية أخرى غير مسلم ، والمنع بطريق ما ذكره غير صحيح لأن الحديث يدل على أنه صلى الله تعالى عليه وسلم اعتبر تزكية الرجل إذا اقتصد ولا يتغالى ، ولم يعب صلى الله عليه وسلم عليه إلا الإغراق والغلو في المدح ، وبهذا يرد قول من قال : ليس في الخبر أن تزكية الواحد للواحد كافية حيث يحتاج إلى التزكية البتة ، وكذا فيه رد لقول من قال : استدلال البخاري على الترجمة بحديث أبي بكرة ضعيف لأنه ضعف ما هو صحيح لأنه علل بقوله فإن غايته أنه صلى الله عليه وسلم اعتبر تزكية الرجل أخاه إذا اقتصد ولم يغل وتضعيفه بهذا هو عين تصحيح وجه المطابقة بين الحديث والترجمة لما ذكرناه ، وكل هذه التعسفات مع الرد على البخاري بما ذكر لأجل الرد على أبي حنيفة ، حيث احتج بهذا الحديث على اكتفائه في التزكية بواحد فافهم .

                                                                                                                                                                                  ثم رجال الحديث المذكور خمسة : الأول محمد بن سلام ، وفي بعض النسخ اسمه واسم أبيه . الثاني : عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي البصري . الثالث : خالد [ ص: 238 ] ابن مهران الحذاء البصري . الرابع : عبد الرحمن بن أبي بكرة . الخامس : أبوه أبو بكرة بفتح الباء الموحدة واسمه نفيع بن الحارث الثقفي .

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه البخاري أيضا في الأدب عن آدم ، وعن موسى بن إسماعيل ، وأخرجه مسلم في آخر الكتاب عن يحيى بن يحيى ، وعن محمد بن عمر وأبي بكر ، وعن عمرو الناقد ، وعن أبي بكر بن أبي شيبة ، وأخرجه أبو داود في الأدب عن أحمد بن يونس ، وأخرجه ابن ماجه فيه عن أبي بكر بن أبي شيبة .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أثنى رجل على رجل عند النبي صلى الله عليه وسلم " قيل : يحتمل أن يكون المثني بكسر النون هو محجن بن الأدرع الأسلمي ، وأن يكون المثنى عليه ذو البجادين ; لأن للأول حديثا عند الطبراني لا يبعد أن يكون هو إياه ، وللثاني حديثا عند ابن إسحاق يشعر أن يكون المثنى عليه ذا البجادين ومحجن بكسر الميم وسكون الحاء المهملة وفتح الجيم وفي آخره نون ابن الأدرع ، قال الذهبي : قديم الإسلام نزل البصرة واختط مسجدها ، له أحاديث .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : عند أبي داود والنسائي وذو البجادين بكسر الباء الموحدة بعدها الجيم واسمه عبد الله بن عبد بهم بن عفيف المزني ، مات في غزوة تبوك ، قال عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه : دفنه النبي صلى الله عليه وسلم وحطه بيده في قبره ، وقال : " اللهم إني قد أمسيت عنه راضيا فارض عنه " قال ابن مسعود : فليتني كنت صاحب الحفرة ، قال الذهبي : حديث صحيح .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ويلك " لفظ الويل في الأصل الحزن والهلاك والمشقة من العذاب ، ويستعمل بمعنى التفجع والتعجب ، وههنا كذلك ، وينتصب عند الإضافة ويرتفع عند القطع ، ووجه انتصابه بعامل مقدر من غير لفظه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " قطعت عنق صاحبك " وفي رواية : قطعتم عنق الرجل ، وفي رواية أخرى : قطعتم ظهر الرجل ، وهي استعارة من قطع العنق الذي هو القتل لاشتراكهما في الهلاك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " لا محالة " بفتح الميم أي : البتة لا بد منه .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أحسب فلانا " أي : أظنه من حسب يحسب بكسر عين الفعل في الماضي وفتحها في المستقبل محسبة وحسبانا بالكسر ، ومعناه الظن ، وأما حسبته أحسبه بالضم حسبا وحسبانا وحسابة إذا عددته .

                                                                                                                                                                                  قوله : " والله حسيبه " أي : كافيه فعيل بمعنى مفعول من أحسبني الشيء إذا كفاني .

                                                                                                                                                                                  قوله : " ولا أزكي على الله أحدا " أي : لا أقطع له على عاقبة أحد بخير ولا غيره ; لأن ذلك مغيب عنا ، ولكن نقول : نحسب ونظن لوجود الظاهر المقتضي لذلك .

                                                                                                                                                                                  قوله : " أحسبه كذا وكذا " أي : أظنه أنه على حالة كذا وصفة كذا ، إن كان يعلم ذلك منه ، والمراد من قوله : يعلم يظن ، وكثيرا يجيء العلم بمعنى الظن ، وإنما قلنا : معناه يظن حتى لا يقال : إذا كان يعلم منه فلم يقول أحسبه ؟ .

                                                                                                                                                                                  ( فإن قلت ) : قد جاء أحاديث صحيحة بالمدح في الوجه .

                                                                                                                                                                                  ( قلت ) : النهي محمول على الإفراط فيه أو على من يخاف عليه ، وأما من لا يخاف عليه ذلك لكمال تقواه ورسوخ عقله ، فلا نهي إذا لم يكن فيه مجازفة بل إن كان يحصل بذلك مصلحة كالازدياد عليه والاقتداء به كان مستحبا ، قاله النووي في ( شرح مسلم ) .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية