الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        فصل

                                                                                                                                                                        في مسائل منثورة تتعلق بالباب

                                                                                                                                                                        إحداها : وقف على الطالبيين وجوزناه ، كفى الصرف إلى ثلاثة ، ويجوز أن يكون أحدهم من أولاد علي ، والثاني من أولاد جعفر ، والثالث من أولاد عقيل ، [ ص: 360 ] - رضي الله عنهم - . ولو وقف على أولاد علي ، وأولاد عقيل ، وأولاد جعفر - رضي الله عنهم - فلا بد من الصرف إلى ثلاثة من كل صنف ، الثانية : وقف شجرة ، ففي دخول المغرس وجهان ، وكذا حكم الأساس مع البناء ، الثالثة : وقف على عمارة المسجد ، لا يجوز صرف الغلة إلى النقش ، والتزويق ، وذكر في " العدة " أنه يجوز دفع أجرة القيم منه ، ولا يجوز صرف شيء منه إلى الإمام والمؤذن ، والفرق أن القيم يحفظ العمارة ، قال : ويجوز أن يشترى منه البواري ، ولا يشترى الدهن على الأصح ، والذي ذكره البغوي ، وأكثر من تعرض للمسألة : أنه لا يشترى منه الدهن ، ولا الحصير . والتجصيص الذي فيه إحكام معدود من العمارة ، وإذا وقف على عمارة المسجد جاز أن يشترى منه سلم لصعود السطح ، ومكانس يكنس بها ، ومساحي لنقل التراب ، لأن ذلك كله لحفظ العمارة ، ولو كان يصيب بابه المطر ، ويفسده جاز بناء ظلة منه ، وينبغي أن لا يضر بالمارة ، ولو وقف على مصلحة المسجد ، لم يجز النقش والتزويق ، ويجوز شراء الحصر والدهن ، والقياس جواز الصرف إلى الإمام ، والمؤذن أيضا ، والموقوف على الحشيش ، والسقف لا يصرف إلى الحصير ، ولا بالعكس ، والموقوف على أحدهما لا يصرف إلى اللبود ولا بالعكس ، ولو وقف على المسجد مطلقا ، وجوزناه ، قال البغوي : هو كالوقف على عمارة المسجد ، وفي " الجرجانيات " في جواز الصرف إلى النقش ، والتزويق في هذه الصورة وجهان ، وفي " فتاوى الغزالي " : أنه يجوز هنا صرف الغلة إلى الإمام والمؤذن ، وأنه يجوز بناء منارة للمسجد ، ويشبه أن يجوز بناء المنارة من الموقوف على عمارة المسجد أيضا ، ولو وقف على النقش ، والتزويق ، فوجهان قريبان من الخلاف في جواز تحلية المصحف .

                                                                                                                                                                        [ ص: 361 ] قلت : الأصح لا يصح الوقف على النقش والتزويق ، لأنه منهي عنه - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        الرابعة : إذا قال المتولي : أنفقت كذا ، فالظاهر قبول قوله عند الاحتمال . الخامسة : لا يجوز قسمة العقار الموقوف بين أرباب الوقف ، وقال ابن القطان : إن قلنا : القسمة إفراز جاز ، فإذا انقرض البطن الأول انقضت القسمة ، ويجوز لأهل الوقف المهايأة ، قاله ابن كج ، السادسة : لا يجوز تغيير الوقف عن هيئته ، فلا تجعل الدار بستانا ، ولا حماما ، ولا بالعكس ، إلا إذا جعل الواقف إلى الناظر ما يرى فيه مصلحة للوقف ، وفي فتاوى القفال : أنه يجوز أن يجعل حانوت القصارين للخبازين ، فكأنه احتمل تغيير النوع دون الجنس ، ولو هدم الدار أو البستان ظالم أخذ منه الضمان ، وبني به ، أو غرس ليكون وقفا مكان الأول ، ولو انهدم البناء ، وانقلعت الأشجار استغلت الأرض بالإجارة لمن يزرعها ، أو يضرب فيها خيامه ، ثم تبنى وتغرس من غلتها ، ويجوز أن يقرض الإمام الناظر من بيت المال ، أو يأذن له في الاقتراض ، أو الإنفاق من مال نفسه على العمارة بشرط الرجوع ، وليس له الاقتراض دون إذن الإمام ، السابعة : لو تلف الموقوف في يد الموقوف عليه من غير تعد ، فلا ضمان عليه .

                                                                                                                                                                        قلت : ومن ذلك الكيزان المسبلة على أحواض الماء ، والأنهر ، ونحوها ، فلا ضمان على من تلف في يده شيء منها بلا تعد ، فإن تعدى ضمن ، ومن التعدي استعماله في غير ما وقف له . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        الثامنة : لو انكسر المرجل ، والطنجير الموقوفان ، ووجد متبرع بالإصلاح فذاك وإلا اتخذ منه أصغر ، وأنفق الباقي على إصلاحه ، فإن لم يمكن اتخاذ مرجل [ ص: 362 ] وطنجير ، اتخذ منه ما يمكن من قصعة ومغرفة ، وغيرهما ، ولا حاجة هنا إلى إنشاء وقفه ، فإنه غير الموقوف ، التاسعة : الوقف على الفقراء ، هل يختص بفقراء بلد الواقف ؟ فيه الخلاف المذكور فيما لو أوصى للفقراء ، وهل يجوز الدفع [ منه ] إلى فقيرة لها زوج يمونها ؟ فيه خلاف سبق في أول قسم الصدقات .

                                                                                                                                                                        قلت : سبق هناك أن الأصح أنه لا يدفع إليها ، ولا إلى الابن المكفي بنفقة أبيه ، قال صاحب " المعاياة " : ولو كان له صنعة يكتسب بها كفايته ، ولا مال له ، استحق الوقف باسم الفقر قطعا ، وفي هذا الذي قاله احتمال . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        العاشرة : سئل الحناطي عن شجرة تنبت في المقبرة ، هل يجوز للناس الأكل من ثمرها ؟ فقال : قيل : يجوز ، وعندي : الأولى أن تصرف في مصالح المقبرة .

                                                                                                                                                                        قلت : المختار الجواز . - والله أعلم - .

                                                                                                                                                                        وسئل عن شجرة غرسها رجل في المسجد ، فقال : إن غرسها للمسجد لم يجز أكل ثمرها بلا عوض ، ويجب صرف عوضها في مصالح المسجد ، وينبغي أن لا تغرس الأشجار في المسجد .

                                                                                                                                                                        قلت : وإن غرسها مسبلة للأكل جاز أكلها بلا عوض ، وكذا إن جهلت نيته حيث جرت العادة به ، وسبق في كتاب الصلاة أنها تقلع . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        الحادية عشرة : قال الأئمة : إذا جعل البقعة مسجدا ، فكان فيها شجرة جاز للإمام قلعها باجتهاده ، وبماذا ينقطع حق الواقف عن الشجرة ؟ قال الغزالي في الفتاوى : مجرد ذكر الأرض لا يخرج الشجرة عن ملكه كبيع الأرض ، [ ص: 363 ] وحينئذ لا يكلف تفريغ الأرض ، ولك أن تقول : في استتباع الأرض للشجر في البيع قولان ، وإذا قال : جعلت هذه الأرض مسجدا ، فلا تدخل الشجرة قطعا ، لأنها لا تجعل مسجدا ، ولو جعل الأرض مسجدا ، ووقف الشجرة عليها ، فعلى هذه الصورة ونحوها ينزل كلام الأصحاب ، الثانية عشرة : أفتى الغزالي بأنه يجوز وقف الستور لتستر بها جدران المسجد ، وينبغي أن يجيء فيه الخلاف السابق في النقش ، والتزويق . الثالثة عشرة : لو وقف على دهن السراج للمسجد جاز وضعه في جميع الليل ، لأنه أنشط للمصلين .

                                                                                                                                                                        قلت : إنما يسرج جميع الليل إذا انتفع به من في المسجد كمصل ، ونائم ، وغيرهما ، فإن كان المسجد مغلقا ليس فيه أحد ، ولا يمكن دخوله ، لم يسرج ، لأنه إضاعة مال . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية