الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 329 ] ثم دخلت سنة ثمان وثلاثين ومائة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيها دخل قسطنطين ملك الروم ملطية عنوة ، فهدم سورها ، وعفا عمن قدر عليه من مقاتليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها غزا الصائفة صالح بن علي نائب مصر ، فبنى ما كان هدمه ملك الروم من سور ملطية وأطلق لأخيه عيسى بن علي أربعين ألف دينار ، وكذلك أعطى لابن أخيه العباس بن محمد بن علي أربعين ألف دينار .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها بايع عبد الله بن علي الذي فتح دمشق ثم كسره أبو مسلم كما تقدم وانهزم إلى البصرة ، واستجار بأخيه سليمان بن علي ، حتى بايع للخليفة في هذه السنة ، ورجع إلى طاعته ، ولكن حبس في سجن بغداد ، كما سيأتي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها خلع جهور بن مرار العجلي الخليفة المنصور ، وذلك بعدما كسر سنباذ ، واستحوذ على حواصله وما كان عنده من أموال أبي مسلم ، فقويت نفسه بذلك ، وظن أنه يقدر على منابذة الخليفة بتلك الأموال ، فأرسل إليه الخليفة محمد بن الأشعث الخزاعي في جيش كثيف ، فاقتتلوا قتالا شديدا ، فهزم جهور ، وقتل عامة أصحابه ، وأخذ ما كان معه من الأموال والحواصل ، ثم لحقوه فقتلوه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 330 ] وفيها قتل الملبد الخارجي على يدي خازم بن خزيمة في ثمانية آلاف ، وقتل من أصحاب الملبد ما يزيد على الألف ، وانهزم بقيتهم . ولله الحمد والمنة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال الواقدي : وحج بالناس في هذه السنة الفضل بن صالح بن علي . والنواب فيها هم المذكورون في التي قبلها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها : زيد بن واقد ، والعلاء بن عبد الرحمن ، وليث ابن أبي سليم ، في قول .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها كانت خلافة الداخل على بلاد الأندلس ، وهو عبد الرحمن بن معاوية بن هشام بن عبد الملك بن مروان الهشامي ، كان قد دخل إلى بلاد المغرب فاجتاز بمن معه من أصحابه بقوم يقتتلون على عصبية اليمانية والمضرية ، فبعث مولاه بدرا إليهم فاستمالهم إليه ، فبايعوه ودخل بهم ، ففتح بلاد الأندلس ، واستحوذ عليها ، وانتزعها من يد نائبها يوسف بن عبد الرحمن بن حبيب بن أبي عبيدة بن عقبة بن نافع الفهري وقتله ، وسكن عبد الرحمن قرطبة ، واستمر في خلافته في تلك البلاد من هذه السنة - أعني سنة ثمان وثلاثين [ ص: 331 ] ومائة - إلى سنة ثنتين وسبعين ومائة فتوفي فيها ، وله في الملك أربع وثلاثون سنة وأشهر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم قام من بعده ولده هشام ست سنين وأشهرا ثم مات ، فولي ولده الحكم بن هشام ستا وعشرين سنة وأشهرا ، ثم من بعده ولده عبد الرحمن بن الحكم ثلاثا وثلاثين سنة ، ثم من بعده محمد بن عبد الرحمن بن الحكم ستا وعشرين سنة ، ثم ابنه المنذر بن محمد ، ثم أخوه عبد الله بن محمد ، ثم ابن ابنه عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن المنذر . وكانت أيامه بعد الثلاثمائة بدهر ، ثم زالت تلك الدولة كما سنذكر ، ثم انقضت تلك السنون وأهلها فكأنهم على ميعاد .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية