الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وقد روي أن التكبير مع رفع اليدين مع استقرارهما ومع الإرسال فكل ذلك لا حرج فيه وأراه بالإرسال أليق فإنه كلمة العقد ووضع إحدى اليدين على الأخرى في صورة العقد ، ومبدؤه الإرسال وآخره الوضع .

ومبدأ التكبير الألف وآخره الراء فيليق مراعاة التطابق بين الفعل والعقد وأما رفع اليد فكالمقدمة لهذه البداية .

ثم لا ينبغي أن يرفع يديه إلى قدام رفعا عند التكبير ، ولا يردهما إلى خلف منكبيه ، ولا ينفضهما عن يمين وشمال نفضا إذا فرغ من التكبير ويرسلهما إرسالا خفيفا رفيقا ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال وفي بعض الروايات " أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر أرسل يديه ، وإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى فإن صح هذا فهو أولى مما ذكرناه .

التالي السابق


(وقد روي التكبير مع رفع اليد) هذا شروع في بيان وقت الرفع، وفيه وجوه: أحدها: هو ما أشار إليه بقوله المذكور، ومراده أن يبتدئ الرفع مع ابتداء التكبير. رواه البخاري من حديث ابن عمر : "كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حين يكبر"، وقد تقدم ذكره قريبا، ولأبي داود من حديث وائل بن حجر : "يرفع يديه مع التكبير"، (و) روي أيضا (مع استقرارها) .

قال العراقي: أي: مرفوعتين، رواه مسلم من حديث ابن عمر : "كان إذا قام إلى الصلاة رفع يديه حتى يكونا حذو منكبيه، ثم كبر". زاد أبو داود : "وهما كذلك"، وقال الرافعي في تقرير هذا القول: أن يرفع غير مكبر، ثم يكبر ويداه قارتان، ثم يرسلهما، فيكون التكبير بين الرفع والإرسال .

ويروى ذلك عن ابن عمر مرفوعا، (و) روي أيضا ابتداؤه (مع) ابتداء (الإرسال) ، وانتهاؤه [ ص: 39 ] مع انتهائه، رواه أبو داود من حديث أبي حميد الساعدي: "كان إذا قام إلى الصلاة يرفع يديه حتى يحاذي بهما منكبيه، ثم كبر حتى يقر كل عظم في موضعه معتدلا". قال ابن الصلاح في "مشكل الوسيط": فكلمة "حتى" التي هي للغاية تدل بالمعنى على ما ذكره، أي: من ابتداء التكبير مع الإرسال، فهذه ثلاثة أقوال ذكرها المصنف. ونقل الرافعي عن "التهذيب" أن الأصح هو الرفع مع الاستقرار، لكن الأكثر على ترجيح القول المنسوب إلى وائل بن حجر قال: ثم اختلفوا في انتهائه، فمنهم من قال: يجعل إنهاء الرفع والتكبير معا كما يجعل ابتداءهما معا؛ ومنهم من قال: يجعل انتهاء التكبير والإرسال معا. وقال الأكثرون: لا استحباب في طرق الانتهاء، فإن فرغ من التكبير قبل تمام الرفع أو بالعكس أتم الثاني، وإن فرغ منهما حط يديه، وإن لم يستدم الرفع، ولو ترك رفع اليدين حتى أتى ببعض التكبير رفعهما في الباقي، وإن أتمه لم يرفع بعد ذلك، ثم قال المصنف: (فكل ذلك لا حرج فيه) ، ولا منع منه (وأراه) أي: التكبير (مع الاسترسال أليق) ، وهو اختيار المصنف تبعا لصاحب "القوت"، واختاره أيضا صاحب "العوارف"، ثم ذكر المصنف له وجها خفيا فقال: (فإنه) أي: التكبير (كلمة العقد) أي: يعقد قلبه على معناها من إثبات الكبرياء والجلال والعظمة لله تعالى، (ووضع إحدى اليدين على الأخرى في صورة العقد، ومبدؤه الإرسال وآخره الوضع، ومبدأ التكبير الألف) من الجلالة، (وآخره الراء) من أكبر، (فيليق مراعاة التطابق) ، أي: التوافق (بين الفعل) الذي هو وضع اليد، (والعقد) الذي هو قوله: الله أكبر، (وأما رفع اليد فكالمقدمة لهذه البداية، ثم لا ينبغي أن يدفع يديه إلى قدام دفعا) ، أي: (عند التكبير، ولا يردهما إلى خلف منكبيه، ولا ينفضهما عن يمين وشمال نفضا إذا فرغ من التكبير) ، ولكن يلصق كفيه بمنكبيه، وتكون أصابعه تلقاء أذنيه، ثم يكبر، (ويرسلهما إرسالا خفيفا رفيقا) ، ويكون إرساله يديه مع آخر التكبير، (ويستأنف وضع اليمين على الشمال بعد الإرسال) ، هكذا هو في "القوت"، وقال الرافعي : ولك أن تبحث عن لفظ الإرسال الذي أطلقه، فتقول: كيف يفعل المصلي بعد رفع اليدين عند التكبير؟ أيدلي يديه ثم يضمهما إلى الصدر، أم يجمعهما ويضمهما إلى الصدر من غير أن يدليهما؟ والجواب: أن المصنف ذكر في "الإحياء" أنه لا ينفض يديه يمينا وشمالا إذا فرغ من التكبير، ولكن يرسلهما إرسالا خفيفا رفيقا، ثم يستأنف وضع اليمين على الشمال، وقال النووي في "الروضة": قلت: الأصح ما في "الإحياء"، والله أعلم .

(وفي بعض الروايات "أنه صلى الله عليه وسلم كان إذا كبر أرسل يديه، وإذا أراد أن يقرأ وضع اليمنى على اليسرى) ، هكذا أورده صاحب "القوت" فقال: وروينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا كبر، الحديث، (فإن صح هذا فهو أولى مما ذكرناه) ، قال الرافعي : وهذا ظاهر في أنه يدلي اليد إلى الصدر، قال صاحب "التهذيب" وغيره: المصلي بعد الفراغ من التكبير يجمع بين يديه، وهذا يشعر بالاحتمال الثاني، انتهى. والحديث المذكور أخرجه الطبراني في "المعجم الكبير" من حديث معاذ بن جبل "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا كان في صلاة رفع يديه حيال أذنيه، فإذا كبر أرسلهما، ثم سكت، وربما رأيته يضع يمينه على يساره". الحديث؛ قال الحافظ تبعا لشيخه ابن الملقن: سنده ضعيف، فيه الخصيب بن جحدر، كذبه شعبة والقطان.



(تنبيه) :

قال الحافظ نقلا عن الغزالي : سمعت بعض المحدثين يقول هذا الخبر؛ إنما ورد بأنه يرسل يديه إلى صدره، لا أنه يرسلهما ثم يستأنف رفعهما إلى الصدر، حكاه ابن الصلاح في "مشكل الوسيط" .




الخدمات العلمية