الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 348 ] ذكر تزويج عبد المطلب ابنه عبد الله من آمنة بنت وهب الزهرية

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال ابن إسحاق : ثم انصرف عبد المطلب آخذا بيد ابنه عبد الله فمر به - فيما يزعمون - على امرأة من بني أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي أم قنال أخت ورقة بن نوفل بن أسد بن عبد العزى بن قصي ، وهي عند الكعبة فنظرت إلى وجهه فقالت : أين تذهب يا عبد الله ؟ قال : مع أبي قالت : لك مثل الإبل التي نحرت عنك وقع علي الآن . قال : أنا مع أبي ولا أستطيع خلافه ولا فراقه . فخرج به عبد المطلب حتى أتى وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر ، وهو يومئذ سيد بني زهرة سنا وشرفا فزوجه ابنته آمنة بنت وهب وهي يومئذ سيدة نساء قومها فزعموا أنه دخل عليها حين أملكها مكانه فوقع عليها فحملت منه برسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم خرج من عندها فأتى المرأة التي عرضت عليه ما عرضت فقال لها : ما لك لا تعرضين علي اليوم ما كنت عرضت بالأمس ؟ قالت له : فارقك النور الذي كان معك بالأمس ، [ ص: 349 ] فليس لي بك اليوم حاجة . وقد كانت تسمع من أخيها ورقة بن نوفل - وكان قد تنصر ، واتبع الكتب - أنه كائن في هذه الأمة نبي فطمعت أن يكون منها فجعله الله تعالى في أشرف عنصر وأكرم محتد ، وأطيب أصل ، كما قال تعالى الله أعلم حيث يجعل رسالته [ الأنعام : 124 ] وسنذكر المولد مفصلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما قالت أم قنال بنت نوفل من الشعر تتأسف على ما فاتها من الأمر الذي رامته ، وذلك فيما رواه البيهقي من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق رحمه الله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عليك بآل زهرة حيث كانوا وآمنة التي حملت غلاما     ترى المهدي حين نزا عليها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ونورا قد تقدمه أماما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلى أن قالت


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكل الخلق يرجوه جميعا     يسود الناس مهتديا إماما


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      براه الله من نور صفاء     فأذهب نوره عنا الظلاما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وذلك صنع ربك إذ حباه     إذا ما سار يوما أو أقاما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 350 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيهدي أهل مكة بعد كفر     ويفرض بعد ذلكم الصياما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال أبو بكر محمد بن جعفر بن سهل الخرائطي : حدثنا علي بن حرب حدثنا محمد بن عمارة القرشي حدثنا مسلم بن خالد الزنجي حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس قال : لما انطلق عبد المطلب بابنه عبد الله ليزوجه مر به على كاهنة من أهل تبالة متهودة قد قرأت الكتب يقال لها : فاطمة بنت مر الخثعمية فرأت نور النبوة في وجه عبد الله فقالت : يا فتى هل لك أن تقع علي الآن ، وأعطيك مائة من الإبل . فقال عبد الله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أما الحرام فالممات دونه     والحل لا حل فأستبينه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكيف بالأمر الذي تبغينه     يحمي الكريم عرضه ودينه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثم مضى مع أبيه فزوجه آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة فأقام عندها ثلاثا ، ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة فأتاها فقالت : ما صنعت بعدي ؟ فأخبرها فقالت : والله ما أنا بصاحبة ريبة ، ولكني رأيت في وجهك نورا فأردت أن يكون في ، وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد ، ثم أنشأت فاطمة تقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إني رأيت مخيلة لمعت     فتلألأت بحناتم القطر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 351 ] فلمأتها نورا يضيء له     ما حوله كإضاءة البدر
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورجوتها فخرا أبوء به     ما كل قادح زنده يوري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لله ما زهرية سلبت     ثوبيك ما استلبت وما تدري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقالت فاطمة أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بني هاشم قد غادرت من أخيكم     أمينة إذ للباه يعتركان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كما غادر المصباح عند خموده     فتائل قد ميثت له بدهان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما كل ما يحوي الفتى من تلاده     بحزم ولا ما فاته لتواني
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فأجمل إذا طالبت أمرا فإنه     سيكفيكه جدان يعتلجان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سيكفيكه إما يد مقفعلة     وإما يد مبسوطة ببنان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولما حوت منه أمينة ما حوت     حوت منه فخرا ما لذلك ثان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وروى أبو نعيم الحافظ في كتاب دلائل النبوة من طريق يعقوب بن محمد الزهري عن عبد العزيز بن عمران عن عبد الله بن جعفر عن أبي عون عن المسور بن مخرمة عن ابن عباس قال : إن عبد المطلب قدم اليمن في رحلة الشتاء فنزل على حبر من اليهود قال : فقال [ ص: 352 ] لي رجل من أهل الزبور : يعني أهل الكتاب : يا عبد المطلب أتأذن لي أن أنظر إلى بعضك ؟ قال : نعم إذا لم يكن عورة ، قال : ففتح إحدى منخري فنظر فيه ، ثم نظر في الآخر فقال : أشهد أن في إحدى يديك ملكا وفي الأخرى نبوة ، وإنا نجد ذلك في بني زهرة فكيف ذلك ؟ قلت : لا أدري قال : هل لك من شاعة ؟ قلت : وما الشاعة ؟ قال : زوجة قلت : أما اليوم فلا . قال : فإذا رجعت فتزوج فيهم فرجع عبد المطلب فتزوج هالة بنت وهيب بن عبد مناف بن زهرة فولدت حمزة وصفية ، ثم تزوج عبد الله بن عبد المطلب آمنة بنت وهب فولدت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت قريش حين تزوج عبد الله بآمنة : فلج أي فاز ، وغلب عبد الله على أبيه عبد المطلب .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية