الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                864 ص: وقد روي عن عبد الله بن عمر في ذلك أيضا ما قد حدثنا يزيد بن سنان ، قال: ثنا موسى بن إسماعيل المنقري قال: ثنا حماد بن سلمة (ح).

                                                وما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا حجاج ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : " أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر ، فأمره النبي -عليه السلام- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام ، فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" .

                                                فهذا ابن عمر -رضي الله عنهما- يروي عن النبي -عليه السلام- ما ذكرناه وهو قد روى عن النبي -عليه السلام- أنه قال: "إن بلالا ينادي بليل، فكلوا واشربوا حتى ينادي ابن أم مكتوم " .

                                                فثبت بذلك أن ما كان من ندائه قبيل طلوع الفجر - مما كان له مباحا - هو لغير الصلاة، وأن ما أنكره عليه إذ فعله قبل الفجر للصلاة.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي قد روي عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- كما ذكرنا: أن أذان بلال لم يكن لأجل الصلاة.

                                                [ ص: 81 ] وأراد الطحاوي بهذا تأييد ما ذكره من ذلك؛ لأن أمره -عليه السلام- لبلال بالرجوع والمناداة: "ألا إن العبد نام"، أراد به أنه غفل عن الوقت، دليل على [أن] أذانه لم يكن واقعا في محله؛ لكونه قد قصد [به] الأذان للصلاة، وأما فيما مضى فلم يكن أذانه للصلاة، وإنما كان لإيقاظ النائم، وإرجاع القائم، فلهذا لم يأمره بالعود والمناداة: "ألا إن العبد نام".

                                                قوله: "وهو قد روى" أي: والحال أن ابن عمر -رضي الله عنهما- قد روى عن النبي... إلى آخره.

                                                قوله: "فثبت بذلك" أي: بما ذكرنا.

                                                قوله: "أن ما كان من ندائه" أي: من نداء بلال - أي أذانه - قبل طلوع الفجر.

                                                قوله: "مما كان أبيح له" أي يؤذن؛ إنما كان لغير الصلاة، وأن الذي أنكره النبي -عليه السلام- عليه "أي: على بلال "إذ فعله" أي: حين فعله "قبل طلوع الفجر إنما كان لأجل الصلاة"؛ لأن الأذان للصلاة قبل دخول الوقت لا يجوز.

                                                ثم رجال حديث ابن عمر ثقات.

                                                وأخرجه أبو داود : ثنا موسى بن إسماعيل ، وداود بن سبيب - المعني - قالا: ثنا حماد ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر، فأمره النبي -عليه السلام- أن يرجع فينادي: ألا إن العبد نام - زاد موسى - فرجع فنادى: ألا إن العبد نام" .

                                                قال أبو داود : هذا الحديث لم يروه عن أيوب ، عن نافع إلا حماد بن سلمة .

                                                وقال الترمذي : وروى حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر :

                                                [ ص: 82 ] "أن بلالا أذن بليل فأمره النبي -عليه السلام- أن ينادي: ألا إن العبد نام" . هذا حديث غير محفوظ، والصحيح ما روى عبيد الله بن عمر وغيره، عن نافع ، عن ابن عمر أن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم " ، وروى عبد العزيز بن أبي رواد ، عن نافع "أن مؤذنا لعمر -رضي الله عنه- أذن بليل، فأمر عمر أن يعيد الأذان " وهذا لا يصح أيضا؛ لأنه عن نافع عن عمر منقطع، ولعل حماد بن سلمة أراد هذا الحديث، والصحيح رواية عبيد الله بن عمر وغير واحد، عن نافع ، عن ابن عمر ، والزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر ، أن النبي -عليه السلام- قال: "إن بلالا يؤذن بليل " قال أبو عيسى : ولو كان حديث حماد صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى، إذ قال رسول الله -عليه السلام-: "إن بلالا يؤذن بليل" فإنما أمرهم فيما يستقبل فقال: "إن بلالا يؤذن بليل" ولو أنه أمره بإعادة الأذان حين أذن قبل طلوع الفجر لم يقل: "إن بلالا يؤذن بليل".

                                                قال علي بن المديني : حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر ، عن النبي -عليه السلام- هو خبر محفوظ وأخطأ فيه حماد بن سلمة . انتهى.

                                                وقال البيهقي : وقد تابعه سعيد بن زربي ، عن أيوب ، ثم أخرجه كذلك، ثم قال: وسعيد بن زربي ضعيف.

                                                وقال ابن الجوزي في "التحقيق": وقد تابع حماد بن سلمة عليه سعيد بن زربي ، عن أيوب - وكان ضعيفا -، وقال يحيى : ليس بشيء، وقال البخاري : عنده عجائب. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال ابن حبان : يروي الموضوعات عن الأثبات. وقال الحاكم : أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الثقة، سمعت أبا بكر المطرز يقول: سمعت محمد بن يحيى يقول: حديث حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عن نافع ، عن ابن عمر : "أن بلالا أذن قبل طلوع الفجر" شاذ غير واقع على القلب وهو خلاف ما رواه الناس عن ابن عمر -رضي الله عنهما-.

                                                قلت: العجب من الترمذي وغيره ممن تبعه في هذا الكلام كيف يقول: ولو كان حديث حماد صحيحا لم يكن لهذا الحديث معنى؟ فهذا الكلام يشعر [ ص: 83 ] أن ضعف حديث حماد بن سلمة لمخالفة معنى حديث الزهري ، عن سالم ، عن ابن عمر لا لكون وجود ضعيف أو متهم في رواته، وهذا الذي ذكره ليس بقادح لصحة الحديث، ومثل هذا واقع جدا بين الأحاديث، فيؤدي هذا الكلام إلى تضعيف أكثر الأحاديث "الصحيحة" بل الصواب أن حديث حماد صحيح وليس هو بمخالف لحديث سالم ؛ لأن حديث سالم قد قلنا: لأجل إيقاظ النائم، وإرجاع القائم، ولم يكن لأجل الصلاة، فلذلك لم يأمره -عليه السلام- بأن يرجع وينادي: "ألا إن العبد نام".

                                                وأما حديث نافع ، عن ابن عمر الذي رواه حماد بن سلمة ، عن أيوب ، عنه، كان لأجل الصلاة، ولم يقع محله، فلذلك أمره بأن يعود وينادي: "ألا إن العبد نام".

                                                ومما يقوي صحة حديث حماد بن سلمة : ما رواه سعيد بن أبي عروبة ، عن قتادة ، عن أنس -رضي الله عنه-: "أن بلالا أذن قبل الفجر، فأمره النبي -عليه السلام- أن يصعد فينادي: إن العبد نام" .

                                                رواه الدارقطني وقال: تفرد به أبو يوسف ، عن سعيد ، وغيره يرسله، ثم أخرج من طريق عبد الوهاب - يعني الخفاف - عن سعيد ، عن قتادة : "أن بلالا أذن..." ولم يذكر أنسا ، ثم قال الدارقطني : والمرسل أصح.

                                                قلت: أبو يوسف وثقه ابن حبان وغيره، وكذلك وثقه البيهقي في باب المستحاضة يغسل عنها أثر الدم، وقد زاد الرفع، فوجب قبول زيادته، ومما يقوي حديث حماد أيضا حديث حفصة بنت عمر -رضي الله عنهما- على ما يأتي إن شاء الله تعالى.




                                                الخدمات العلمية