الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  4101 356 - حدثني عبد الله بن أبي شيبة العبسي، حدثنا ابن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس، عن جرير قال: كنت بالبحر فلقيت رجلين من أهل اليمن ذا كلاع وذا عمرو، فجعلت أحدثهم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له ذو عمرو: لئن كان الذي تذكر من أمر صاحبك لقد مر على أجله منذ ثلاث، وأقبلا معي حتى إذا كنا في بعض الطريق رفع لنا ركب من قبل المدينة فسألناهم فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، واستخلف أبو بكر، والناس صالحون، فقالا: أخبر صاحبك أنا قد جئنا، ولعلنا سنعود إن شاء الله، ورجعا إلى اليمن فأخبرت أبا بكر [ ص: 14 ] بحديثهم، قال: أفلا جئت بهم، فلما كان بعد قال لي ذو عمرو: يا جرير إن لك علي كرامة، وإني مخبرك خبرا إنكم معشر العرب لن تزالوا بخير ما كنتم إذا هلك أمير تأمرتم في آخر، فإذا كانت بالسيف كانوا ملوكا يغضبون غضب الملوك، ويرضون رضا الملوك.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة من حيث إن جريرا لما هد ذا الخلصة بعد شهوده حجة الوداع ذهب إلى اليمن ثم لما رجع بلغته وفاة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، وعبد الله هو أبو بكر، واسم أبيه محمد بن أبي شيبة، واسمه إبراهيم بن عثمان الحافظ العبسي بفتح العين المهملة، وسكون الباء الموحدة، وهو شيخ مسلم أيضا، يروي عن عبد الله بن إدريس، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (ذا كلاع) بفتح الكاف، وتخفيف اللام، واسمه إسميفع بكسر الهمزة، وسكون السين المهملة، وفتح الميم، وسكون الياء آخر الحروف، وفتح الفاء، وفي آخره عين مهملة، ويقال إيفع بن باكوراء، ويقال ابن حوشب بن عمرو، قال أبو عمر: وأظنه من حمير، ويقال: إنه ابن عم كعب الأحبار يكنى أبا شرحبيل، ويقال أبو شرحبيل، كان رئيسا في قومه مطاعا متبوعا، أسلم، وكتب إليه صلى الله عليه وسلم في التعاون على الأسود، ومسيلمة، وطليحة، وكان الرسول إليه جرير بن عبد الله البجلي فأسلم، وخرج مع جرير إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وكان ذو الكلاع القائم بأمر معاوية في حرب صفين، وقتل قبل انقضاء الحرب ففرح معاوية بموته، وكان موته في سنة سبع وثلاثين، قال أبو عمر: ولا أعلم لذي الكلاع صحبة أكثر من إسلامه، واتباعه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم في حياته، وأظنه أحد الوفود عليه، والله أعلم، ولا أعلم له رواية إلا عن عمرو، وعوف بن مالك، وقال أبو عمر: وإنه أعتق عشرة آلاف أهل بيت، وقال ابن دريد: كان ذو الكلاع ادعى الربوبية في الجاهلية، وأن إسلامه إنما كان أيام عمر رضي الله تعالى عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كتب له مع جرير، وجرير إنما قدم بعد وفاة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وذا عمرو) كان أحد ملوك اليمن، وقال أبو عمر: ذو عمرو رجل من اليمن أقبل مع ذي الكلاع إلى رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم مسلمين، ومعهما جرير بن عبد الله البجلي، ويقال كانا عزما على التوجه إلى المدينة، فلما بلغهما وفاة النبي صلى الله عليه وسلم رجعا إلى اليمن ثم هاجرا في زمن عمر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (أحدثهم) إنما جمع الضمير باعتبار من كان معهما.

                                                                                                                                                                                  قوله: (من أمر صاحبك) أراد بالصاحب النبي صلى الله تعالى عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (لقد مر على أجله منذ ثلاث) أراد أنه مات منذ ثلاثة أيام.

                                                                                                                                                                                  قال الكرماني: فإن قلت: أين جزاء الشرط؟

                                                                                                                                                                                  قلت: جواب القسم جزاء للشرط معنى، فإن قلت: الشرط شرطه أن يكون سببا للجزاء، وهاهنا ليس كذلك.

                                                                                                                                                                                  قلت: هو متأول بالإخبار، إن تخبرني بذلك أخبرك بهذا، فالإخبار سبب للإخبار، وقال أيضا: إنما علم وفاته صلى الله تعالى عليه وسلم إما بسماعه من بعض القادمين من المدينة سرا، وإما أنه كان من المحدثين، وإما أنه كان في الجاهلية كاهنا، وقيل: إنما أخبر بذلك عن اطلاع من الكتب القديمة؛ لأن اليمن كان أقام بها جماعة من اليهود فدخل كثير من أهل اليمن في دينهم، وتعلموا منهم.

                                                                                                                                                                                  قوله: (وأقبلا معي) من كلام جرير أي أقبل ذو الكلاع وذو عمرو يعني متوجهين إلى المدينة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فقالا) أي ذو الكلاع وذو عمرو أخبر صاحبك، أراد به أبا بكر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: (بحديثهم) قد ذكرنا أن جمعه باعتبار أتباعهم أو باعتبار أن أقل الجمع اثنان.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فلما كان بعد) بضم الدال على البناء أي بعد هذا الأمر، ولعله كان ذلك بعد أن هاجر ذو عمرو في خلافة عمر رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  وذكر يعقوب بن شبة بإسناد له أن ذا الكلاع كان معه اثنا عشر ألف بيت من مواليه فسأله عمر بيعهم ليستعين بهم على حرب المشركين، فقال ذو الكلاع: هم أحرار فأعتقهم في ساعة واحدة.

                                                                                                                                                                                  قوله: (كرامة) منصوب.

                                                                                                                                                                                  قوله: (تآمرتم) بمد الهمزة، وتخفيف الميم أي تشاورتم، والائتمار المشاورة، ويروى (تأمرتم) بالقصر، وبتشديد الميم أي أقمتم أميرا منكم عن رضى منكم أو عهد من الأول.

                                                                                                                                                                                  قوله: (فإذا كانت) أي الإمارة بالسيف أي بالقهر والغلبة كانوا ملوكا أي خلفاء، وهذا الكلام منه يدل على أن ذا عمرو له اطلاع على الأخبار من الكتب القديمة؛ لأنه يطابق حديث سفينة أن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تصير ملكا . رواه أحمد، وأصحاب السنن، وصححه ابن حبان .




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية