الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
الثانية : جاء في حديث أبي هريرة وأنس - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ما من حافظين يرفعان إلى الله - تعالى - ما حفظا فيرى الله - تعالى - في أول الصحيفة خيرا ، وفي آخرها خيرا إلا قال للملائكة : اشهدوا أني قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة " أخرجه الطبراني وغيره ، قال الحافظ ابن رجب : وهو موجود في بعض نسخ كتاب الترمذي . وفي حديث آخر مرفوع : " ابن آدم اذكرني من أول النهار ساعة ، ومن آخر النهار ساعة أغفر لك ما بين ذلك إلا الكبائر ، أو تتوب منها " وقال ابن المبارك : من ختم نهاره بذكر الله كتب نهاره كله ذكرا ، يشير إلى أن الأعمال [ ص: 452 ] بالخواتيم . قال الحافظ ابن رجب : فإذا كان البداية ، والختام ذكرا ، فهو أولى أن يكون حكم الذكر شاملا للجميع . انتهى .

الثالثة : قوله في الخبر : حتى أنينه في مرضه ، ربما أشعر بأنه مما يكتبه كاتب السيئات ; لأنه يكتب كل ما أهمل كاتب الحسنات ، ويدل له قول علمائنا يكره الأنين ، قال في الفروع : على الأصح لأنه يترجم عن الشكوى ، ما لم يغلبه ، مع أنه جاء في الحديث " المريض أنينه تسبيح وصياحه تكبير ، ونفسه صدقة ، ونومه عبادة ، وتقلب من جنب إلى جنب جهاد في سبيل الله " لكن قال الحافظ ابن حجر : إنه ليس بثابت . وقد روى الإمام أحمد في الزهد عن طاوس أنه قال : أنين المريض شكوى . قال ابن حجر في شرح البخاري : وقد جزم أبو الطيب ابن الصباغ وجماعة من الشافعية أن أنين المريض مكروه ، وتأوهه مكروه . وتعقبه الإمام النووي فقال : هذا ضعيف ، أو باطل ، فإن المكروه ما ثبت فيه نهي مقصود ، وهذا لم يثبت فيه ذلك . ثم قال : فلعلهم أرادوا بالكراهية خلاف الأولى ، فإنه لا شك أن اشتغاله بالذكر أولى . انتهى .

قال الحافظ ابن حجر : ولعلهم أخذوه بالمعنى من كون كثرة الشكوى تدل على ضعف اليقين ، وتشعر بالتسخط للقضاء وتورث شماتة الأعداء . انتهى .

الرابعة : جاء في الأحاديث أن الحافظين يقيمان على قبر المؤمن يسبحان الله - تعالى - ويهللانه ويكبرانه ، ويكتب ثوابه للميت إلى يوم القيامة وأنهما يلعنان الكافر ، ففي حديث أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - مرفوعا " إذا قبض العبد المؤمن صعد ملكاه إلى السماء ، فقال الله وهو أعلم : ما جاء بكما ؟ فيقولان : رب قبضت عبدك ، فيقول لهما : ارجعا إلى قبره فسبحاني واحمداني وهللاني إلى يوم القيامة ، فإني قد جعلت مثل أجر تسبيحكما وتحميدكما وتهليلكما له ثوابا مني ، فإذا كان العبد كافرا فمات ، صعد ملكاه إلى السماء فيقول لهما الله : ما جاء بكما ؟ فيقولان : رب قبضت عبدك وجئناك ، فيقول لهما : ارجعا إلى قبره فالعناه إلى يوم القيامة ، فإنه كذبني وجحدني ، وإني جعلت لعنتكما عذابا أعذبه به يوم القيامة " وروي أيضا من حديث أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - مرفوعا ، وفيه : " فائذن لنا أن نسكن السماء ، فيقول سمائي مملوءة من ملائكتي يسبحوني ، فيقولان ائذن لنا نسكن الأرض [ ص: 453 ] فيقول : أرضي مملوءة من خلقي يسبحونني ، ولكن قوما على قبره فسبحاني واحمداني وهللاني ، واكتباه لعبدي إلى يوم القيامة " وروي أيضا من حديث أنس - رضي الله عنه - كلفظ حديث أبي سعيد ، وقد أورده الحافظ ابن الجوزي في كتابه الموضوعات بطرقه الثلاثة ، وحكم عليه بالوضع ، وتعقبه جلال الدين السيوطي بما حاصله أن الحديث قد أخرجه البيهقي في كتابه شعب الإيمان وقال : فيه ابن مطر ليس بالقوي . ثم إنه لم ينفرد به فقد تابعه عن ثابت البناني حماد وأخرجه أيضا البيهقي ، والهيثم بن حماد ، وأخرجه ابن أبي الدنيا في ذكر الموت ، قال الحافظ البيهقي : وله شاهد آخر عن أنس ، ثم روى بإسنادين عنه نحوه مرفوعا .

وقال الشيخ ولي الدين العراقي في فتاويه المكية في حديث أبي سعيد : فيه عطية العوفي ضعيف لكن ليس بكذاب ، وقد رواه عنه مسعر وهو إمام جليل ، فإن وجد له شاهد قوي عنده . انتهى . فها أنت ترى له شواهد عدة . انتهى وقد ذكرت ما فيه من مختصر الموضوعات .

وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية