الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

الآداب الشرعية والمنح المرعية

ابن مفلح - محمد بن مفلح بن محمد المقدسي

صفحة جزء
وذكر ابن عبد البر الخبر المروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الحق ثقيل فمن قصر عنه سحر ، ومن جاوزه ظلم ، ومن انتهى إليه فقد اكتفى } ويروى هذا لمجاشع بن نهشل . وعن النبي صلى الله عليه وسلم قال { الحق ثقيل رحم الله عمر بن الخطاب تركه الحق ليس له صديق } .

لما استخلف أبو بكر عمر رضي الله تعالى عنهما قال لمعيقيب الدوسي ما يقول الناس في استخلافي عمر قال : كرهه قوم ، ورضيه قوم آخرون قال فالذين كرهوه أكثر أم الذين رضوه ؟ قال : بل الذين كرهوه قال : إن الحق يبدو كرها وله تكون العاقبة { والعاقبة للتقوى } وقال : الحكمة تدعو إلى الحق ، والجهل يدعو إلى السفه ، كما أن الحجة تدعو إلى المذهب الصحيح ، والتشبيه يدعو إلى المذهب الباطل .

وقال بعض الحكماء : من جهلك بالحق والباطل أن تريد إقامة الباطل بإبطال الحق وقال بعض الحكماء : لا يعد الرجل عاقلا حتى يستكمل ثلاثا : إعطاء الحق من نفسه في حال الرضا والغضب ، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه ، وأن لا يرى له زلة عند صحو وقال أبو العتاهية :

ومن ضاق عنه الحق ضاقت مذاهبه



لما احتضر أبو بكر أرسل إلى عمر رضي الله عنهما فقال : إن وليتك على الناس فاتق الله والزم الحق فإنما ثقلت موازين من ثقلت موازينه يوم القيامة باتباعهم الحق في الدنيا وثقله عليهم ، وحق لميزان إذا وضع فيه الحق غدا أن يكون ثقيلا ، وإنما خفت موازين من خفت موازينه يوم القيامة باتباعهم الباطل في الدنيا وخفته عليهم . وحق لميزان وضع فيه الباطل أن يكون [ ص: 42 ] خفيفا ، واعلم أن لله تعالى عملا بالليل لا يقبله بالنهار ، وعملا بالنهار لا يقبله بالليل ، وأنه لا يقبل نافلة حتى تؤدى الفريضة ، وأن الله عز وجل ذكر أهل الجنة بأحسن أعمالهم وتجاوز عن سيئاتهم ، فإذا ذكرتهم قلت إني لخائف أن لا ألحق بهم ، وأن الله تعالى ذكر أهل النار بأسوأ أعمالهم ورد عليهم حسنها ، فإذا ذكرتهم قلت إني لخائف أن أكون معهم ، وأن الله عز وجل ذكر آية الرحمة مع آية العذاب ليكون المؤمن راهبا راغبا ، لا يتمنى على الله ، ولا يقنط من رحمة الله فإن أنت حفظت وصيتي فلا يكونن غائب أحب إليك من الموت ولست بمعجزه .

كتب عمر بن الخطاب إلى معاوية رضي الله عنهما أن الزم الحق ينزلك الحق في منازل أهل الحق يوم لا يقضى إلا بالحق .

أول كتاب كتبه علي بن أبي طالب رضي الله عنه في خلافته : أما بعد فإنه هلك من كان قبلكم فإنهم منعوا الحق حتى اشتري ، وبسطوا الباطل حتى اقتني .

وقال ابن مسعود : رضي الله عنه من كان على الحق فهو جماعة ولو كان وحده وقال غيره : الأحمق يغضب من الحق والعاقل يغضب من الباطل ، وقال ابن مسعود : رضي الله عنه تكلموا بالحق تعرفوا ، واعملوا به تكونوا من أهله .

وقال أبو العتاهية :

وللحق برهان وللموت فكرة     ومعتبر للعالمين قديم



وقال مالك بن أنس : رضي الله عنه إذا ظهر الباطل على الحق ظهر الفساد في الأرض ، وقال إن لزوم الحق نجاة ، وإن قليل الباطل وكثيره هلكة وقال سعد بن أبي وقاص لسلمان : رضي الله عنهما أوصني قال أخلص الحق يخلصك قال ابن عبد البر وأظن من هنا قول القائل " أعز الحق يذل لك الباطل " .

[ ص: 43 ] يقال من لم يعمل من الحق إلا بما وافق هواه ولم يترك من الباطل إلا ما خف عليه ، لم يؤجر فيما أصاب ولم يفلت من إثم الباطل وقال منصور الفقيه :


فاتق الله إذا ما     شورت وانظر ما تقول
لا يضرنك إن قال     من الناس جهول
إن قول المرء فيما     لم يسل عنه فضول



وعن أبي هريرة مرفوعا { أصدق كلمة قالها الشاعر قول لبيد :

ألا كل شيء ما خلا الله باطل

}

وقال : أصدق قول قالته العرب قول القائل :

وما حملت من ناقة فوق رحلها     أبر وأوفى ذمة من محمد



أنشد ثعلب :

وإن أشعر بيت أنت قائله     بيت يقال إذا أنشدته صدقا



قال جعفر بن محمد : ما ناصح الله عبد مسلم في نفسه فأخذ الحق لها وأعطى الحق منها إلا أعطي خصلتين رزق من الله يقنع به . ورضا من الله عنه .

التالي السابق


الخدمات العلمية