الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1096 ص: قال أبو جعفر : فإن قال قائل: فما معنى ما روي عن عائشة -رضي الله عنها-: " أن النساء كن يصلين الصبح مع رسول الله -عليه السلام- ثم ينصرفن وما يعرفن من الغلس " .

                                                قيل: يحتمل أن يكون هذا قبل أن يؤمر بإطالة القراءة فيها؛ فإنه قد حدثنا ابن أبي داود ، قال: ثنا أبو عمر الحوضي ، قال: ثنا مرجا بن رجاء ، قال: ثنا داود - يعني داود بن أبي هند - عن السبيعي ، عن مسروق ، عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: " أول ما فرضت الصلاة: ركعتين ركعتين ، فلما قدم رسول الله -عليه السلام- المدينة وصل إلى كل صلاة مثلها، غير المغرب فإنها وتر، وصلاة الصبح؛ لطول قراءتها، وكان إذا سافر عاد إلى صلاته الأولى" .

                                                قال أبو جعفر : فأخبرت عائشة -رضي الله عنها- في هذا الحديث أن رسول الله أن -عليه السلام- كان يصلي قبل أن يتم الصلاة على مثال ما يصلي إذا سافر، وحكم المسافر تخفيف الصلاة، ثم أحكم بعد ذلك فزيد في بعض الصلاة، وأمرنا بإطالة بعضها، فيجوز - والله أعلم - أن يكون ما كان يفعل من تغليسه بها، وانصراف النساء المؤمنات منها ولا يعرفن من الغلس، كان في ذلك الوقت الذي كان يصليها فيه على مثال ما [ ص: 421 ] تصلى فيه الآن في السفر، ثم أمر بإطالة القراءة فيها، وأن يكون مفعوله في الحضر بخلاف ما يفعل في السفر من إطالة هذه وتخفيف هذه، وقال: "أسفروا بالفجر" أي: أطيلوا القراءة فيها، ليس ذلك على أن تدخلوا فيها في آخر وقت الإسفار، ولكن تخرجوا منها في وقت الإسفار.

                                                فثبت بذلك نسخ ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- مما ذكرنا، مع ما قد دل على ذلك أيضا من فعل أصحاب النبي -عليه السلام- من بعده، في إصابتهم الإسفار في وقت انصرافهم منها واتفاقهم على ذلك حتى لقد قال إبراهيم النخعي ما قد حدثنا محمد بن خزيمة ، قال: ثنا القعنبي ، قال: ثنا عيسى بن يونس ، عن الأعمش ، عن إبراهيم قال: "ما اجتمع أصحاب محمد -عليه السلام- على شيء ما اجتمعوا على التنوير" .

                                                قال أبو جعفر - رحمه الله -: فأخبر أنهم قد كانوا اجتمعوا على ذلك، فلا يجوز عندنا - والله أعلم - اجتماعهم على خلاف ما قد كان النبي -عليه السلام- فعله إلا بعد نسخ ذلك، وثبوت خلافه، فالذي ينبغي: الدخول في الفجر في وقت التغليس، والخروج منها في وقت الإسفار ، على موافقة ما روينا عن رسول الله -عليه السلام- وأصحابه -رضي الله عنهم- هذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد - رحمهم الله -.

                                                التالي السابق


                                                ش: هذا السؤال وارد على ما تقدم من معنى الإسفار بصلاة الصبح ، وهو أن يدخل فيها بالغلس، ويمدها بالقراءة إلى أن ينصرف عنها بالإسفار ، تقريره: أن ما ذكرتم ينافيه حديث عائشة -رضي الله عنها-: "أن النساء كن يصلين الصبح..."2 إلى آخره؛ لأنه يدل على أنهم كانوا يدخلون فيها بالغلس، ويخرجون منها بالغلس.

                                                وتقرير الجواب ملخصا: أن حديث عائشة -رضي الله عنها- منسوخ بوجهين:

                                                الأول: أن عائشة أخبرت في حديثها: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين..." إلى آخره، أن النبي -عليه السلام- كان يصلي قبل أن تتم الصلاة مثل المسافر بتخفيف القراءة، ولما أحكم الأمر وزيدت الصلاة التي زيدت أمر بإطالة القراءة في صلاة الصبح عوضا عن الزيادة ، كالجمعة قصرت على الركعتين لمكان الخطبة، وذلك [ ص: 422 ] الأمر هو قوله -عليه السلام-: "أسفروا بالفجر" . فإن معناه: أطيلوا القراءة فيها، حتى تخرجوا منها في وقت الإسفار، وليس معناه ادخلوا فيها في آخر وقت الإسفار، فثبت بذلك نسخ حديث عائشة -رضي الله عنها- وما يضاهيه.

                                                الوجه الثاني لبيان النسخ: فعل الصحابة -رضي الله عنهم- وإجماعهم من بعده على الإسفار، بالمعنى الذي ذكرنا؛ فإنهم كانوا يطولون القراءة فيها، ويخرجون مسفرين، ولو لم يعلموا نسخ ذلك لما وسعهم أن يعملوا بخلافه، والدليل على إجماعهم على ذلك ما قاله إبراهيم النخعي : "ما اجتمع أصحاب محمد -عليه السلام- على شيء ما اجتمعوا على التنوير" ولو لم يكن النسخ صحيحا فكيف كان يجوز لأكابر الصحابة -رضي الله عنهم- أن يجتمعوا على الإسفار، مخالفين لما قد كانوا علموا من النبي -عليه السلام- من التغليس في الدخول فيها والخروج عنها، وهذا محال في حقهم؛ لأنهم عالمون بموارد النصوص ومواقع الأحكام، وأما ما شنع الحافظ الحازمي على الطحاوي في هذا الموضع في دعواه النسخ فقد مر جوابه فيما مضى من هذا الباب بما فيه الكفاية.

                                                وشنع البيهقي أيضا في كتابه "المعرفة" وغيره لما تحرك له عرق العصبية، وقال: وقد ذكر الطحاوي الأحاديث التي وردت في تغليس النبي -عليه السلام- ومن بعده من الصحابة بالفجر ثم زعم أنه ليس فيها دليل على الأفضل، وإنما ذلك في حديث رافع، ولم يعلم أن النبي -عليه السلام- لا يداوم إلا على ما هو الأفضل، وكذلك أصحابه من بعده، فخرج من فعل أصحابه فإنهم كانوا يدخلون فيها مغلسين ليطيلوا القراءة، ويخرجون فيها مسفرين؛ فإن النبي -عليه السلام- إنما خرج منها مغلسا قبل أن يشرع فيها طول القراءة، فاستدل على النسخ بفعلهم ولم يعلم أن بعضهم كانوا يخرجون منها مغلسين كما روينا عنهم، وقال عمرو بن ميمون الأودي : "صليت مع عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- صلاة الفجر ولو أن ابني مني ثلاثة أذرع لم أعرفه إلا أن يتكلم" . ثم احتج بحديث عائشة -رضي الله عنها-: "أول ما فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فلما قدم [ ص: 423 ] رسول الله -عليه السلام- المدينة ، وصل إلى كل صلاة مثلها غير المغرب، فإنها وتر، وصلاة الفجر لطول القراءة فيها " وزعم أن الزيادة في الصلاة والإطالة في القراءة كانتا معا: وظاهر الحديث يدل على أن الزيادة في الصبح إنما لم تشرع لطول قراءتها المشروع فيها قبلها ثم حمل حديث عائشة -رضي الله عنها- في التغليس على أن ذلك كان قبل أن يشرع فيها طول القراءة، وعائشة -رضي الله عنها- قد أخبرت أن الزيادة في الصلاة كانت حين قدم النبي -عليه السلام- المدينة ، وغيرها يقول: حين فرضت قبل قدومه المدينة ، وعلى زعمه شرع طول القراءة فيها حين زيد في عدد غيرها، وعائشة إنما حملت حديث التغليس وهي عند النبي -عليه السلام- بالمدينة ، وكذلك أم سلمة ، وإنما تزوج بها بعد ما هاجرت بسنتين؟ فكيف يكون منسوخا بحكم تقدم عليه؟! كيف وقد أخبرتنا عن دوام فعله وفعل النساء معه، وروينا عن جابر بن عبد الله الأنصاري في حديث مخرج في "الصحيحين": "أن النبي -عليه السلام- كان يصليها بغلس" .

                                                وفي حديث أبي مسعود الأنصاري : "أن النبي -عليه السلام- صلى الصبح بغلس ثم صلاها يوما فأسفر بها ثم لم يعد إلى الإسفار حتى قبضه الله تعالى" . وهذا كله يدل على بطلان النسخ الذي ادعاه الطحاوي في حديث عائشة وغيرها في التغليس، والطريق الصحيح في ذلك: أن تحمل الأحاديث التي وردت في الإخبار عن تغليس النبي -عليه السلام- وبعض أصحابه بالصبح على أنهم فعلوا ما هو الأفضل؛ لأن ذلك كان أكثر فعلهم، ويحمل حديث رافع -رضي الله عنه- على تبيين الفجر باليقين وإن كان يجوز الدخول فيها في الغيم بالاجتهاد قبل التبيين، انتهى.

                                                والجواب عن ذلك فصل، فصل.

                                                أما قوله : "ولم يعلم أن النبي -عليه السلام- لا يداوم إلا على ما هو الأفضل " قول لم يعلم هو ما قال فيه؛ لأن الطحاوي وأدنى من الطحاوي يعلم أن النبي -عليه السلام- لا يداوم إلا على الأفضل ، ولكن من يقول إن النبي -عليه السلام- داوم على التغليس، فإن عارض بحديث [ ص: 424 ] أبي مسعود البدري الذي فيه "وصلى الصبح مرة بغلس، ثم صلى مرة أخرى فأسفر بها، ثم كانت صلاته بعد ذلك التغليس حتى مات لم يعد إلى أن يسفر" فجوابه: أن هذا من أسامة بن زيد وهو متكلم فيه فقال أحمد : ليس بشيء. وقال أبو حاتم : يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي والدارقطني : ليس بقوي.

                                                ويرده أيضا ما أخرجه البخاري ، ومسلم : عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: "ما رأيت رسول الله -عليه السلام- صلى صلاة لغير وقتها إلا بجمع، فإنه جمع بين المغرب والعشاء بجمع، وصلى صلاة الصبح من الغد قبل وقتها" . قالت العلماء: يعني قبل وقتها المعتاد في كل يوم، لا أنه صلاها قبل طلوع الفجر، ولم يقل به أحد، وإنما معناه أنه غلس بها جدا.

                                                وتوضحه رواية البخاري و: "الفجر حين بزغ" وهذا دليل قاطع على أنه -عليه السلام- كان يسفر بالفجر دائما وقلما صلاها بغلس فأين البيهقي من هذا المعنى.

                                                وأما قوله: "ولم يعلم أن بعضهم كانوا يخرجون منها بغلس" كما روينا عنهم فقول يشبه القول الأول، وكيف لا يعلم وقد روى هو أيضا مثل ما روى البيهقي : "أنهم كانوا يخرجون منها مغلسين" ولكن لا يضره ذلك ولا يدفع كلامه؛ لأنه قد يجوز أن يكون ذلك منهم مع علمهم أن الإسفار أفضل لأجل التوسعة، أو لأجل عارض قد عرض لهم ومنعهم عن مد الصلاة بتطويل القراءة إلى أن ينصرفوا منها مسفرين، كما ذكر فيما مضى، غاية ما في الباب أن أخبار التغليس التي رويت عن النبي -عليه السلام- وعن الصحابة من بعده تدل على الإخبار بالوقت الذي صلوا فيه، أي وقت هو وليس فيه شيء يدل على الأفضلية كما يدل حديث رافع -رضي الله عنه-.

                                                وأما قوله: "وقال عمرو بن ميمون الأودي " فيعارضه ما روى السائب بن يزيد [ ص: 425 ] قال: "صليت خلف عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- فقرأ بالبقرة فلما انصرفوا استشرفوا الشمس، فقالوا: طلعت. فقال: لو طلعت لم تجدنا غافلين" .

                                                فأين كان البيهقي من هذا الأثر؟!

                                                فإن قيل: هذا لا يدل على الأفضلية لأنه أيضا مجرد إخبار عن الوقت الذي صلى فيه فقط.

                                                يقال: كذلك ليس في أثر عمرو بن ميمون ما يدل على الأفضلية؛ لأنه أيضا مجرد إخبار عن الوقت الذي صلى فيه.

                                                وأما قوله: "وزعم أن الزيادة في الصلاة والإطالة في القراءة كانتا معا ، وظاهر الحديث يدل على أن الزيادة في الصبح إنما لم تشرع لطول قراءتها المشروع فيها قبلها "فغير مسلم ؛ لأن ظاهر الحديث لا يدل على أن طول القراءة شرع في الصبح قبل الزيادة في غيرها، فأي كلام وأي عبارة تدل على هذا حتى يقول: "ظاهر الحديث يدل على أن الزيادة..." إلى آخره؟! لأن الدلالة هو فهم المعنى من اللفظ، وليس فيما ذكره فهم هذا المعنى، بل ظاهر الحديث أن الزيادة لما زيدت فيما زيدت من الصلاة، شرع بعدها طول القراءة في الصبح؛ عوضا عن الزيادة فافهم. ولم يقل الطحاوي أن الزيادة في الصلاة والإطالة في القراءة كانت معا، بل كلامه يشعر أن إطالة القراءة في الصبح كانت بعد الزيادة في غيرها بزمان؛ لأنه ذكر الإطالة بكلمة "ثم "التي تدل على التراخي، وهو قوله: "ثم أمر بإطالة القراءة فيها".

                                                وبهذا خرج الجواب أيضا عن قول البيهقي : "فكيف يكون منسوخا بحكم تقدم عليه". حاصله أنه اعترض على الطحاوي بأنه زعم أن شروع إطالة القراءة في الصبح كان حين زيد في عدد غيرها، وعائشة احتملت حديث التغليس وهي عند النبي -عليه السلام- بالمدينة ، فيكون حكم إطالة القراءة متقدما على حديث التغليس، والمتقدم كيف يكون ناسخا للمتأخر؟!

                                                قلنا: لا نسلم أن إطالة القراءة متقدمة على حديث التغليس بل حديث التغليس، [ ص: 426 ] متقدم على حكم الإطالة، بيان ذلك: أن تغليس النبي -عليه السلام- وانصراف النساء المؤمنات منها ولا يعرفن من الغلس، كان في الوقت الذي كان يصليها -عليه السلام- فيه على مثال ما يصلى فيه الآن في السفر بتخفيف القراءة، ثم أمر رسول الله -عليه السلام- بإطالة القراءة بقوله: "أسفروا" أي: أطيلوا القراءة بالصبح لتخرجوا منها مسفرين، فحينئذ نسخ هذا المتأخر ذلك المتقدم، والله أعلم.

                                                وأما قوله: "وروينا عن جابر في حديث مخرج في الصحيحين " فغير دال على مدعاه؛ لأنه إخبار عن الوقت الذي كان صلى فيه النبي -عليه السلام- أي وقت هو؟ وليس فيه شيء يدل على الأفضلية.

                                                وأما قوله: "وفي حديث أبي مسعود الأنصاري -رضي الله عنه- " فقد مر جوابه الآن مستوفى.

                                                وأما قوله: "والطريق الصحيح..." إلى آخره، طريق غير صحيح؛ لأن الأحاديث التي وردت في الإخبار عن تغليس النبي -عليه السلام- وبعض أصحابه بالصبح ليس فيها ما يدل على الأفضلية، فإن عارضونا في ذلك، بأن أكثر فعلهم يدل على الأفضلية، فعارضناهم بالأوامر التي وردت بالإسفار؛ لأن أقل درجات الأمر تدل على الفضيلة، ولا سيما إذا قارن بها الفعل أيضا.

                                                وأما قوله: "ويحمل حديث رافع على تبيين الفجر باليقين" . فمردود؛ لأن الغلس الذي يقولون به هو اختلاط ظلام الليل بضياء النهار كما ذكره أهل اللغة وقبل ظهور الفجر لا تصح صلاة الفجر؛ فثبت أن المراد بالإسفار إنما هو التنوير.

                                                والدليل عليه ما روى ابن أبي شيبة ، وإسحاق بن راهويه ، وأبو داود الطيالسي ، في مسانيدهم، والطبراني في "معجمه ". فقال الطيالسي : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني ، وقال الباقون: حدثنا أبو نعيم الفضل بن دكين ، ثنا إسماعيل بن إبراهيم المدني ، ثنا هرير بن عبد الرحمن بن رافع بن خديج ، سمعت جدي رافع بن خديج [ ص: 427 ] يقول: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لبلال : يا بلال ، نور صلاة الصبح حتى يبصر القوم مواقع نبلهم من الإسفار " وقد استوفينا الكلام فيما مضى من هذا الباب.

                                                ثم حديث الغلس الذي روته عائشة قد ذكرنا الكلام فيه مستوفى في هذا الباب.

                                                وأما حديثها الآخر: فرجاله ثقات، فأبو عمر هو حفص بن عمر الحوضي شيخ البخاري وأبي داود ، نسبته إلى حوض داود ، محلة بالبصرة .

                                                ومرجا بن رجاء اليشكري أبو رجاء البصري وثقه أبو زرعة ، وعن أبي داود : صالح.

                                                وداود بن أبي هند دينار بن عذافر أبو محمد البصري ، روى له الجماعة البخاري مستشهدا.

                                                والشعبي هو عامر ، ونسبته إلى شعب بطن من همدان .

                                                ومسروق بن الأجدع الهمداني أبو عائشة الكوفي ، روى له الجماعة.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه": من حديث داود بن أبي هند ، عن الشعبي ، عن مسروق ، عن عائشة قالت: "إن أول ما فرضت الصلاة ركعتين، فلما قدم النبي -عليه السلام- المدينة واطمأن زاد ركعتين غير المغرب؛ لأنها وتر، وصلاة الغداة لطول قراءتها، وكان إذا سافر صلى صلاته الأولى" .

                                                قوله: "غير المغرب" بالجر؛ لأنها صفة لقوله: "كل صلاة" وفي الحقيقة استثناء منها ولكن الأصل في "غير" أن تكون صيغة دالة على مخالفة صاحبه بالحقيقة.

                                                قوله: "فإنها وتر" تعليل لعدم الزيادة بمثل ما كانت في أول فرضها، بل زيدت فيها ركعة؛ لأنها وتر النهار.

                                                قوله: "وصلاة الصبح" بالجر أيضا عطفا على قوله غير المغرب، أي: وغير صلاة [ ص: 428 ] الصبح؛ لأجل طول القراءة فيها.

                                                قوله: " عاد إلى صلاته الأولى" وهي الركعتان في الظهر والعصر والعشاء، فهذا يدل صريحا على أن الصلاة كانت تصلى ركعتين ركعتين إلى أن قدم النبي -عليه السلام- المدينة ، ولم تشرع أربعا في ذوات الأربع إلا عند قدومه -عليه السلام- إلى المدينة . فإن قيل: روي من حديث يحيى بن سعيد ، عن أبي بكر بن محمد ، عن أبي مسعود قال: "أتى جبريل النبي -عليه السلام- فقال: قم فصل - وذلك دلوك الشمس حين مالت الشمس - فقام فصلى الظهر أربعا، ثم أتاه حين كان ظله مثله فقال: قم فصل، فصلى العصر أربعا، ثم أتاه حين غربت الشمس فقال: قم فصل، فصلى المغرب ثلاثا، ثم أتاه حين غاب الشفق فقال: قم فصل، فصلى العشاء الآخرة أربعا، ثم أتاه حين كان الفجر فقال له: قم فصل، فصلى الصبح ركعتين، ثم أتاه من الغد في الظهيرة حين صار ظل كل شيء مثله، فقال: قم فصل، فصلى الظهر أربعا، ثم أتاه حين صار ظل كل شيء مثليه، فقال: قم فصل، فصلى العصر أربعا، ثم أتاه الوقت بالأمس حين غربت الشمس فقال: قم فصل، فصلى المغرب ثلاثا، ثم أتاه بعد أن غاب الشفق وأظلم فقال: قم فصل، فصلى العشاء الآخرة أربعا، ثم أتاه حين أسفر الفجر فقال: قم فصل، فصلى الصبح ركعتين، ثم قال: ما بين هذين صلاة" .

                                                أخرجه البيهقي ، والطبراني في "الكبير".

                                                فهذا فيه دليل على أن ذلك كان بمكة بعد المعراج، وأن الخمس فرضن حينئذ بأعدادهن.

                                                قلت: أبو بكر بن محمد عن أبي مسعود منقطع، قاله الذهبي وغيره.

                                                وأيضا الثابت عن عائشة في "الصحيح" يعارضه وينافيه، فقال البخاري :

                                                [ ص: 429 ] حدثنا ابن يوسف ، عن مالك ، عن صالح ، عن عروة ، عن عائشة -رضي الله عنها-: "فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، فأقرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر" . وذكر الداودي أن الصلوات زيد فيها ركعتين ركعتين، وزيد في المغرب ركعة.

                                                وقال أبو عمر : ظاهر حديث عائشة العموم، والمراد به الخصوص، ألا ترى أن صلاة المغرب غير داخلة في قولها: فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، وكذلك الصبح؟ لأنه معلوم أن الصبح لم يزد فيها ولم ينقص منها، وأنها في الحضر والسفر سواء.

                                                قلت: الذي يعلم من حديث عائشة الذي أخرجه البخاري أن فرض الصلاة كان ركعتين ركعتين في الحضر والسفر، ولكن لم تعلم الزيادة عليها متى كانت، والحديث الذي أخرجه الطحاوي عن عائشة يبين ما كان مجملا في حديثها الآخر من أن الزيادة كانت عند مقدم النبي -عليه السلام- المدينة ، وقال ابن جرير الطبري : وفي السنة الأولى من الهجرة زيد في صلاة الحضر ركعتان، وكانت صلاة الحضر والسفر ركعتين، وذلك بعد مقدم النبي -عليه السلام- المدينة بشهر في ربيع الأول، لمضي اثنتي عشر ليلة منه.

                                                ثم أثر إبراهيم النخعي إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح ما خلا ابن خزيمة .

                                                والقعنبي هو عبد الله بن مسلمة بن قعنب شيخ البخاري ومسلم وأبي داود .

                                                والأعمش هو سليمان بن مهران .

                                                وأخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": ثنا وكيع ، عن سفيان ، عن حماد ، عن إبراهيم قال: "ما أجمع أصحاب محمد -عليه السلام- على شيء ما أجمعوا على التنوير بالفجر" .




                                                الخدمات العلمية