الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أسعد بن بلدرك أبو أحمد الجبريلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع الحديث ، وكان شيخا ظريفا ، حسن المذاكرة ، جيد النادرة ، سريع المبادرة ، توفي في هذه السنة عن مائة سنة وأربع سنين ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن نسيم بن عبد الله ، أبو عبد الله الخياط ، عتيق الرئيس أبي الفضل بن عيشون ، سمع الحديث وقارب الثمانين ، سقط من درجة فمات .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 532 ] قال : أنشدني مولى والدي ، يعني ابن أعلى الحكيم أبا الفضل بن عيشون :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القارئ التشريح أجدر بالتقى من راهب في ديره متقوس     ومراقب الأفلاك كانت نفسه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بعبادة الرحمن أحرى الأنفس     والماسح الأرضين وهي فسيحة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أولى بمسح في أكف اللمس     أولى بخشية ربه من جاهل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بمثلث ومربع ومخمس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الحيص بيص

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سعد بن محمد بن سعد ، شهاب الدين أبو الفوارس الصيفي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشاعر ، له ديوان شعر مشهور ، وكانت وفاته يوم الثلاثاء خامس شعبان من هذه السنة ، وله اثنتان وثمانون سنة ، وصلي عليه بالنظامية ، ودفن بباب التبن ، ولم يعقب ، ولم يكن له في المراسلات بديل ، كان يتقعر فيها ويتفاصح جدا ، فلا تواتيه إلا وهي معجرفة ، وكان يزعم أنه من بني تميم ، فسئل أبوه عن ذلك فقال : ما سمعته إلا منه . فقال بعض الشعراء يهجوه فيما ادعاه من ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كم تبادى وكم تطول طرطو     رك ما فيك شعرة من تميم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكل الضب وابلع الحنظل اليا     بس واشرب إن شئت بول الظليم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليس ذا وجه من يضيف ولا يق     ري ولا يدفع الأذى عن حريم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 533 ] ومن شعر الحيص بيص الجيد :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سلامة المرء ساعة عجب     وكل شيء لحتفه سبب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يفر والحادثات تطلبه     يفر منها ونحوها الهرب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فكيف يبقى على تقلبه     مسلما من حياته العطب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تلبس الدهر على غرة     فما لموت الحي من بد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا يخادعك طويل البقا     فتحسب الطول من الخلد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يقرب ما كان له آخر     ما أقرب المهد من اللحد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويقرب من هذا ما ذكره صاحب " العقد " ، وهو أبو عمر ، أحمد بن محمد بن عبد ربه الأندلسي في " عقده " :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ألا إنما الدنيا غضارة أيكة     إذا اخضر منها جانب جف جانب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما الدهر والآمال إلا فجائع     عليها وما اللذات إلا مصائب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلا تكتحل عيناك منها بعبرة     على ذاهب منها فإنك ذاهب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد ذكر أبو سعد السمعاني حيص بيص هذا في " ذيله " ، وأثنى عليه ، وسمع عليه ديوانه ورسائله ، وأثنى على رسائله القاضي ابن خلكان ، وقال : كان فيه تيه وتعاظم ، ولا يتكلم إلا معربا ، وكان فقيها شافعي [ ص: 534 ] المذهب ، واشتغل بالخلاف وعلم النظر ، ثم تشاغل عن ذلك كله بالشعر ، وكان من أخبر الناس بأشعار العرب ، واختلاف لغاتهم . قال : وإنما قيل له : الحيص بيص ; لأنه رأى الناس في حركة واختلاط ، فقال : ما للناس في حيص بيص . أي في شدة وهرج ، فغلبت عليه هذه الكلمة . وكان يزعم أنه من ولد أكثم بن صيفي طبيب العرب . ولم يترك عقبا . كانت له حوالة بالحلة ، فذهب يتقاضاها ، فتوفي ببغداد في هذه السنة ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية