الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومات في هذه السنة ملك الفرنج كندهري ; سقط من شاهق فمات ، فبقيت الفرنج كالغنم بلا راع ، حتى ملكوا عليهم صاحب قبرس وزوجوه بالملكة امرأة كندهري ، وجرت خطوب كثيرة بينهم وبين العادل أبي بكر بن أيوب ، ففي كلها يستظهر عليهم ويكسرهم ، ويقتل خلقا من المقاتلة ؛ ولله الحمد . ولم يزالوا كذلك معه حتى طلبوا الصلح والمهادنة ، فعاقدهم على ذلك في السنة الآتية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي هذه السنة توفي ملك اليمن سيف الإسلام طغتكين

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أخو السلطان صلاح الدين ، وكان قد جمع أموالا جزيلة جدا ، وكان يسبك الذهب مثل الطواحين ويدخره كذلك ، وقام في الملك بعده ولده إسماعيل ، وكان أهوج قليل التدبير ، فحمله جهله على أن ادعى أنه قرشي أموي ، وتلقب بالهادي ، [ ص: 678 ] فكتب إليه عمه العادل ينهاه عن ذلك ويتهدده بسبب ذلك ، فلم يقبل منه ولا التفت إليه ، بل تمادى وأساء التدبير إلى الأمراء والرعية ، فقتل وتولى بعده مملوك من مماليك أبيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي : الأمير الكبير أبو الهيجاء السمين الكردي ، كان من أكابر أمراء الملك الناصر صلاح الدين ، وهو الذي كان نائبا على عكا وخرج منها قبل أخذ الفرنج ، ثم دخلها بعد المشطوب فأخذت منه ، واستنابه صلاح الدين على القدس ثم لما أخذها العزيز عزل عنها ، فطلب إلى بغداد فأكرم إكراما زائدا ، وأرسله الخليفة مقدما على العساكر إلى همذان فمات هناك .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي : قاضي قضاة بغداد أبو طالب علي بن علي بن هبة الله بن محمد بن البخاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع الحديث على أبي الوقت وغيره ، وتفقه على أبي القاسم بن فضلان ، وتولى نيابة الحكم ببغداد ، ثم اشتغل بالمنصب ، وأضيف إليه في وقت نيابة الوزارة ، ثم عزل عن القضاء ، ثم أعيد ومات وهو حاكم ، نسأل الله العافية ، وكان فاضلا بارعا من بيت فقه وعدالة ، وله شعر :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تنح عن القبيح ولا ترده ومن أوليته حسنا فزده     ستكفى من عدوك كل كيد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا كاد العدو ولم تكده



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفي : السيد الشريف نقيب الطالبيين ببغداد

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو محمد الحسن بن [ ص: 679 ] علي بن حمزة بن محمد بن الحسن بن محمد بن الحسن بن محمد بن علي بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب العلوي الحسيني ، المعروف بابن الأقساسي ، الكوفي مولدا ومنشأ ، كان شاعرا مطبقا ، امتدح الخلفاء والوزراء ، وهو من بيت مشهور بالأدب والرياسة والمروءة ، قدم بغداد فامتدح المقتفي والمستنجد وابنه المستضيء وابنه الناصر فولاه النقابة كان شيخا مهيبا ، جاوز الثمانين ، وقد أورد له ابن الساعي قصائد كثيرة منها :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اصبر على كيد الزما     ن فما يدوم على طريقه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سبق القضاء فكن به     راض ولا تطلب حقيقه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كم قد تغلب مرة     وأراك من سعة وضيقه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما زال في أولاده     يجري على هذي الطريقه



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفيها توفيت الست عذراء بنت شاهنشاه بن أيوب ودفنت بمدرستها داخل باب النصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والست خاتون والدة الملك العادل ، ودفنت بدارها بدمشق المجاورة لدار أسد الدين شيركوه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية