الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي ابن الزكي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن علي بن محمد بن يحيى بن علي بن عبد العزيز أبو المعالي القرشي ، محيي الدين
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة بدمشق ، وكل منهم كان قاضيا ; أبوه وجده وأبو جده يحيى بن علي المذكور ، وهو أول من ولي الحكم بدمشق منهم ، وكان جد الحافظ أبي القاسم بن عساكر لأمه ، وقد ترجمه ابن عساكر في التاريخ ، ولم يزد على القرشي ، قال الشيخ أبو شامة : ولو كان أمويا عثمانيا كما يزعمون لذكر ذلك ابن عساكر ، إذ كان فيه شرف لجده وخاليه ، محمد وسلطان فلو كان ذلك صحيحا لما خفي على ابن عساكر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اشتغل ابن الزكي على القاضي شرف الدين أبي سعد عبد الله بن محمد بن أبي عصرون ، وناب عنه في الحكم ، وهو أول من ترك النيابة ، وهو أول من خطب بالقدس لما فتحه الملك صلاح الدين ، كما تقدم بيان ذلك في سنة ثلاث وثمانين ، ثم ولاه قضاء دمشق وأضاف إليه قضاء حلب أيضا ، وكان ناظر أوقاف الجامع ، ثم عزل قبل وفاته بشهور ، ووليها شمس الدين بن البيني ضمانا ، وقد كان القاضي محيي الدين بن الزكي ينهى الطلبة عن الاشتغال [ ص: 718 ] بالمنطق وعلم الكلام ، ويمزق كتب من كان عنده شيء من ذلك بالمدرسة التقوية ، وكان يحفظ العقيدة المسماة بالمصباح للغزالي ، ويحفظها أولاده أيضا ، وكان له درس في التفسير يذكره بالكلاسة ، تجاه تربة الملك الناصر صلاح الدين ، وكان قد وقع بينه وبين الإسماعيلية ، فأرادوا قتله ، فاتخذ له بابا من داره إلى الجامع ; ليخرج منه إلى الصلاة ، ثم خولط في عقله ، فكان يعتريه شبه الصرع إلى أن توفي في سابع شعبان من هذه السنة ، ودفن في تربة بسفح قاسيون .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخطيب الدولعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضياء الدين أبو القاسم عبد الملك بن زيد بن ياسين التغلبي الدولعي ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نسبة إلى قرية بالموصل ، يقال لها : الدولعية . ولد بها في سنة ثماني عشرة وخمسمائة ، وتفقه ببغداد على مذهب الشافعي ، وسمع الحديث ، فسمع " الترمذي " على أبي الفتح الكروخي ، و " النسائي " على أبي الحسن علي بن أحمد اليزدي ، ثم قدم دمشق فولي بها الخطابة وتدريس الغزالية ، وكان زاهدا متورعا ، حسن الطريقة مهيبا في الحق .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت وفاته يوم الثلاثاء ثاني عشر ربيع الأول ، ودفن بمقبرة باب الصغير عند قبور الشهداء ، وكان يوم جنازته يوما مشهودا ، وتولى بعده الخطابة ولد أخيه محمد بن أبي الفضل بن زيد سبعا وثلاثين سنة ، وقد كان ابن الزكي ولى ولده [ ص: 719 ] الزكي الطاهر ، فصلى صلاة واحدة ، فتشفع جمال الدين بالأمير فلك الدين أخي العادل ، فولاه إياها فبقي فيها إلى أن توفي سنة خمس وثلاثين وستمائة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ علي بن محمد بن غليس

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اليمني العابد
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الزاهد ، كان مقيما شرقي الكلاسة ، وكانت له أحوال وكرامات ، نقلها الشيخ علم الدين السخاوي عنه ، وساقها أبو شامة عنه في " الذيل " .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصدر أبو الثناء حماد بن هبة الله بن حماد الحراني التاجر

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة إحدى عشرة ، عام ولد نور الدين بن زنكي ، وسمع الحديث ببغداد ومصر وغيرها من البلاد ، وحدث ، وتوفي في ذي الحجة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تنقل المرء في الآفاق يكسبه محاسنا لم تكن فيه ببلدته     أما ترى بيذق الشطرنج أكسبه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حسن التنقل فيها فوق رتبته



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الست الجليلة المصونة بنفشا بنت عبد الله

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عتيقة الإمام [ ص: 720 ] المستضيء ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كانت من أكبر حظاياه ، ثم صارت بعده من أكثر النساء صدقة وبرا وإحسانا إلى العلماء والفقراء ، لها بطريق الحجاز معروف كثير معروف ، ووقفت مدرسة على الحنابلة وأوقافا دارة ، ودفنت ببغداد عند تربة معروف الكرخي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن المحتسب الشاعر أبو الشكر محمود بن سليمان بن سعيد الموصلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ، يعرف بابن المحتسب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تفقه ببغداد ثم سافر إلى البلاد وصحب ابن الشهرزوري وقدم معه ، فلما ولي قضاء بغداد ولاه نظر أوقاف النظامية ، وكان فاضلا يقول الشعر الرائق ، فمن ذلك :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أسلف لنا في سلافة العنب     جميع ما يقتنى من الذهب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وانشب مع النفس في معاملة     فيها بما عندنا من النشب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جميع ما في الهميان يحقره ال     عاقل في لثم ريقها الشنب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا سيما إن أتتك كالذهب     قد قلدوها عقدا من الحبب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تحرق كف المدير إن وقف الد     ور بها ساعة من اللهب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إذا بدا همنا ليسترق السم     ع برفق للهو واللعب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 721 ] تتبعه من سماء راووقها الرا     ئق رجما بالأنجم الشهب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ما قط تبت يد لشاربها     وحق تبت يدا أبي لهب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أمر بالكرم خلف حائطه     تأخذني نشوة من الطرب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أسكر بالأمس إن عزمت على الشر     ب غدا إن ذا من العجب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جنبها سكرها وصحبتها     تحريم شرع لسيد العرب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تركتها جانبا ولذت إلى     ظل إمام منج من النوب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الطاهر الطهر وابن خير فتى     وطاهر الخلق طاهر النسب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ماذا يقول المداح في رجل     خليفة الله وابن عم نبي



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومن شعره الرائق له أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أهاب وصف الخمر في إهابها     يا حبذا ما كان من مهابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حبا بها الساقي وقد أقعده     سكر فزاد السكر إذ حبا بها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خطا بها وثيقة شرعية     على الذي يفلس من خطابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دعا بها في صدر كل باخل     وخليا من كل من دعا بها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فتا بها قلب الحسود واشكرا     كل فتى في الناس قد فتا بها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اعن بها يا أيها المغرى بها     وأسلف النضار في أعنابها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ثوى بها كل السرور عندنا     وإثمها أكبر من ثوابها

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية