الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 52 ] وفيها توفي صاحب حلب الملك الظاهر غازي بن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب ، وكان من خيار الملوك وأسدهم سيرة ، ولكن كان فيه عسف ويعاقب على الذنب سريعا شديدا ، وكان يكرم العلماء والشعراء والفقراء ، أقام في الملك ثلاثين سنة ، وحضر كثيرا من الغزوات مع أبيه ، وكان ذكيا ، له رأي جيد ، وعبارة سادة ، وفطنة حسنة ، وعمر أربعا وأربعين سنة ، ولما حضرته الوفاة جعل الملك من بعده لولده الملك العزيز غياث الدين محمد وهو ابن ثلاث سنين ، وقد كان له أولاد كبار ، ولكنه عهد إلى هذا من بينهم لأنه كان من بنت عمه العادل ، وأخواله الأشرف والمعظم والكامل وجده العادل لا ينازعونه ، وهكذا وقع سواء ; بايع له جده العادل وخاله الأشرف صاحب حران والرها وخلاط ، وهم المعظم بنقض ذلك ، فلم يتفق له ذلك ، وقام بتدبير مملكته الطواشي شهاب الدين طغريل الرومي الأبيض ، وكان دينا عاقلا عادلا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي من الأعيان والمشاهير :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ تاج الدين أبو اليمن زيد بن الحسن بن زيد بن الحسن بن سعيد بن عصمة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الإمام العلامة ، وحيد عصره ونسيج وحده ، تاج الدين [ ص: 53 ] أبو اليمن الكندي ، ولد ببغداد ونشأ بها ، واشتغل وحصل ، ثم قدم دمشق فأقام بها ، وفاق أهل زمانه شرقا وغربا في النحو والعربية وغير ذلك من فنون العلم ، وعلو الإسناد وحسن الطريقة والسيرة وحسن العقيدة والسريرة . وانتفع به علماء عصره ، وأثنوا عليه ، وخضعوا له . وكان حنبليا ، ثم صار حنفيا . ولد في اليوم الخامس والعشرين من شعبان سنة عشرين وخمسمائة ، فقرأ القرآن بالروايات وله عشر سنين ، وسمع الكثير من الحديث العالي على الشيوخ الثقات ، وعني بذلك ، وتعلم العربية واللغة ، واشتهر بذلك ، ثم صار إلى الشام في سنة ثلاث وستين وخمسمائة ، وسكن مصر ، واجتمع بالقاضي الفاضل ، ثم انتقل إلى دمشق فسكن بدرب العجم منها ، وحظي عند الملوك والوزراء والأمراء ، وتردد إليه العلماء والملوك وأبناؤهم ، كان الأفضل بن صلاح الدين - وهو صاحب دمشق - يتردد إليه في منزله وأخوه المحسن ، وكذلك المعظم في أيامه على ملك دمشق ، ينزل إليه إلى درب العجم يقرأ عليه في " المفصل " للزمخشري ، وكان المعظم يعطي لمن حفظ " المفصل " ثلاثين دينارا جائزة ، وكان يحضر مجلسه بدرب العجم جميع المصدرين بالجامع ، كالشيخ علم الدين السخاوي ، ويحيى بن معطي ، والوجيه البوني ، والفخر التركي وغيرهم ، وكان القاضي الفاضل يثني عليه كثيرا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال السخاوي : كان عنده من العلوم ما لا يوجد عند غيره ، ومن العجب أن سيبويه ، وقد شرحت عليه " كتابه " ، كان اسمه عمرو ، واسم الشيخ أبي اليمن زيد ، فقلت في ذلك :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 54 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لم يكن في عهد عمرو مثله وكذا الكندي في آخر عصر     فهما زيد وعمرو إنما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بني النحو على زيد وعمرو

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو شامة : وهذا كما قال فيه ابن الدهان المذكور في سنة ثنتين وتسعين وخمسمائة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا زيد زادك ربي من مواهبه     نعما يقصر عن إدراكها الأمل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      النحو أنت أحق العالمين به     أليس باسمك فيه يضرب المثل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وللسخاوي فيه قصيدة حسنة ، وكذلك أثنى عليه غير واحد ، منهم أبو المظفر سبط ابن الجوزي ، فقال : قرأت عليه ، وكان حسن العقيدة ، ظريف الخلق طريفا ، لا يسأم الإنسان من مجالسته ، وله النوادر العجيبة ، والخط المليح ، والشعر الرائق ، وله ديوان شعر كبير ، وكانت وفاته يوم الاثنين سادس شوال من هذه السنة ، وله ثلاث وتسعون سنة وشهر وستة عشر يوما ، وصلي عليه بجامع دمشق ثم حمل إلى الصالحية ، فدفن بها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان قد وقف كتبا نفيسة - وهي سبعمائة وإحدى وستون مجلدا - على معتقه نجيب الدين ياقوت ، ثم على ولده من بعده ، ثم على العلماء في الحديث والفقه واللغة وغير ذلك ، وجعلت في خزانة كبيرة بمقصورة ابن سنان الحنفية المجاورة لمشهد علي زين العابدين ، ثم إن هذه الكتب تفرقت ، وأبيع كثير منها ، ولم يبق بالخزانة المشار إليها إلا القليل ، وهي بمقصورة الحنفية ، وكانت قديما يقال لها : مقصورة ابن سنان . وقد ترك الشيخ تاج الدين - رحمه الله - نعمة وافرة ، [ ص: 55 ] وأموالا جزيلة ، ومماليك متعددة من الترك ، وقد كان رقيق الحاشية ، حسن الأخلاق ، يعامل الطلبة معاملة حسنة ، فلما كبر ترك القيام لهم ، وأنشأ اعتذارا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تركت قيامي للصديق يزورني     ولا ذنب لي إلا الإطالة في عمري
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن بلغوا من عشر تسعين نصفها     تبين في ترك القيام لهم عذري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد أسلفنا شيئا من قيله في قتل عمارة اليمني في الدولة الصلاحية ، في سنة تسع وستين وخمسمائة ، وهو في غاية القوة والفصاحة والجناس ، وقد أورد ابن الساعي في ترجمته من تاريخه أشعارا حسنة ، فمن ذلك قوله يمدح الملك المظفر شاهنشاه :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وصال الغواني كان أروى وأروجا     وعصر التداني كان أبهى وأبهجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليالي كان العمر أحسن شافع     تولى وكان اللهو أوضح منهجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بدا الشيب فانجابت طماعية الصبا     وقبح لي ما كان يستحسن الحجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      بلهنية ولت كأن لم أكن بها     بها أجتلي وجه النعيم مسرجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا اختلت في برد الشباب مجررا     ذيولي إعجابا به وتبرجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أغازل غيداء المعاطف طفلة     وأغيد معسول المراشف أدعجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 56 ] تقضت لياليها بطيب كأنه     لتقصيره منهن يختطف الدجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فإن أمس مكروب الفؤاد حزينه     أعاقر من دن الصبابة منهجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وحيدا على أني بفضلي متيم     مروعا بأعداء الفضائل مزعجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيا رب ذي ود سررت وسرني     وأبهجته بالصالحات وأبهجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويا رب ناد قد شهدت وماجد     شدهت وخصم رعته فتلجلجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صدعت بفضلي نقصه فتركته     وفي قلبه شجو وفي حلقه شجى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن بياني في مسامع حسدي     وقد ضم أبكار المعاني وأدرجا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      حسام تقي الدين في كل مارق     يقد إلى الأرض الكمي المدججا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقال يمدح أخاه عز الدين فرخشاه بن شاهنشاه بن أيوب :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هل أنت راحم عبرة وتدله     ومجير صب عند ما منه دهي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هيهات يرحم قاتل مقتوله     وسنانه في القلب غير منهنه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من بل من داء الغرام فإنني     مذ حل بي مرض الهوى لم أنقه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إني بليت بحب أغيد ساحر     بلحاظه رخص البنان برهره
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 57 ] أبغي شفاء تدلهي من دله     ومتى يرق مدلل لمدله
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كم آهة لي في هواه وأنة     لو كان ينفعني عليه تأوهي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومآرب في وصله لو أنها     تقضى لكانت عند مبسمه الشهي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يا مفردا بالحسن إنك منته     فيه كما أنا في الصبابة منتهي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد لام فيك معاشر أفأنتهي     باللوم عن حب الحياة وأنت هي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبكي لديه فإن أحس بلوعة     وتشهق أوما بطرف مقهقه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنا من محاسنه وحالي عنده     حيران بين تفكر وتفكه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ضدان قد جمعا بلفظ واحد     لي في هواه بمعنيين موجه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أو لست رب فضائل لو حاز أد     ناها وما أزهى بها غيري زهي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والذي أنشده تاج الدين الكندي في قتل عمارة اليمني ، حين كان مالأ الكفرة والملحدين على قتل الملك صلاح الدين ، وعود دولة الفاطميين ، فظهر على أمره ، فصلب مع من صلب في سنة تسع وستين وخمسمائة :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عمارة في الإسلام أبدى خيانة     وحالف فيها بيعة وصليبا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأمسى شريك الشرك في بغض أحمد     وأصبح في حب الصليب صليبا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان خبيث الملتقى إن عجمته     تجد منه عودا في النفاق صليبا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سيلقى غدا ما كان يسعى لأجله     ويسقى صديدا في لظى وصليبا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 58 ]

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صحبنا الدهر أياما حسانا     نعوم بهن في اللذات عوما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكانت بعد ما ولت كأني     لدى نقصانها حلما ونوما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أناخ بي المشيب فلا براح     وإن أوسعته عتبا ولوما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نزيل لا يزال على التنائي     يسوق إلى الردى يوما فيوما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكنت أعد لي عاما فعاما     فصرت أعد لي يوما فيوما

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      العز محمد بن الحافظ عبد الغني المقدسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد سنة ست وستين وخمسمائة ، وأسمعه والده الكثير ، ورحل بنفسه إلى بغداد ، وقرأ بها مسند أحمد ، وكانت له حلقة بجامع دمشق ، وكان من أصحاب المعظم ، وكان صالحا دينا ورعا حافظا ، رحمه الله ورحم أباه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفتوح محمد بن علي بن المبارك الجلاجلي البغدادي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سمع الكثير ، وكان يتردد في الرسلية بين الخليفة والملك الأشرف بن العادل ، وكان عاقلا دينا ثقة صدوقا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشريف أبو جعفر ، يحيى بن محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن علي بن أبي زيد العلوي الحسني ، نقيب الطالبيين بالبصرة بعد أبيه ، كان شيخا أديبا فاضلا عالما بفنون كثيرة ، لاسيما بالأنساب وأيام العرب وأشعارها ، [ ص: 59 ] يحفظ كثيرا منها ، وكان من جلساء الخليفة الناصر ، ومن لطيف شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ليهنك سمع لا يلائمه العذل     وقلب قريح لا يمل ولا يسلو
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأن علي الحب أمسى فريضة     فليس لقلبي غيره أبدا شغل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وإني لأهوى الهجر ما كان أصله     دلالا ولولا الهجر ما عذب الوصل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأما إذا كان الصدود ملالة     فأيسر ما هم الحبيب به القتل

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي مزيد بن علي بن مزيد المعروف بابن الخشكري ، الشاعر المشهور من أهل النعمانية ، جمع لنفسه ديوانا ، أورد له ابن الساعي قطعة من شعره ، فمن ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سألتك يوم النوى نظرة     فلم تسمحي خفرا لا سلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأعجب كيف تقولين لا     ووجهك قد خط فيه نعم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أما النون يا هذه حاجب     أما العين عين أما الميم فم

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو الفضل رشوان بن منصور بن رشوان الكردي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      المعروف بالنقف ،
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولد بإربل ، وخدم جنديا ، وكان أديبا شاعرا خدم مع الملك العادل ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سلي عني الصوارم والرماحا     وخيلا تسبق الهوج الرياحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأسدا جيشها سمر العوالي     إذا ما الأسد حاولت الكفاحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 60 ] فإني ثابت عقلا ولبا     إذا ما صائح في الحرب صاحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأورد مهجتي لجج المنايا     إذا ماجت ولم أخف الجراحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكم ليل سهرت وبت فيه     أراعي النجم أرتقب الصباحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكم في فدفد فرسي ونضوي     بقائلة الهجير غدا وراحا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لعينك في العجاجة ما ألاقي     وأثبت في الكريهة لا براحا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن يحيى بن هبة الله أبو نصر النحاس الواسطي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كتب إلى السبط من شعره :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقائلة لما عمرت وصار لي     ثمانون عاما عش كذا وابق واسلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ودم وانتشق روح الحياة فإنه     لأطيب من بيت بصعدة مظلم
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقلت لها عذري لديك ممهد     ببيت زهير فاعملي وتعلمي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سئمت تكاليف الحياة ومن يعش     ثمانين حولا لا محالة يسأم



                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية