الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي فيها من الأعيان :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مصنف " المغني " في الفقه ، [ ص: 117 ] عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة ، الشيخ موفق الدين أبو محمد المقدسي ، إمام عالم بارع ، لم يكن في عصره بل ولا قبل دهره بمدة ، أفقه منه ، ولد بجماعيل في شعبان سنة إحدى وأربعين وخمسمائة ، وقدم مع أهله إلى دمشق في سنة إحدى وخمسين ، وقرأ القرآن ، وسمع الحديث الكثير ، ورحل مرتين إلى العراق; إحداهما في سنة إحدى وستين مع ابن خالته الحافظ عبد الغني ، والأخرى سنة سبع وستين ، وحج في سنة ثلاث وسبعين ، وتفقه ببغداد على مذهب الإمام أحمد ، وبرع وأفتى وناظر ، وتبحر في فنون كثيرة ، مع زهد وعبادة ، وورع وتواضع ، وحسن أخلاق ، وجود وحياء وحسن سمت ، ونور وبهاء ، وكثرة تلاوة وصلاة وصيام وقيام ، وطريقة حسنة واتباع للسلف الصالح ، وكانت له أحوال ومكاشفات ، وقد قال الشافعي - رحمه الله تعالى - : إن لم يكن العلماء العاملون أولياء الله ، فلا أعلم لله وليا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان يؤم الناس للصلاة في محراب الحنابلة هو والشيخ العماد ، فلما توفي [ ص: 118 ] العماد استقل هو بالوظيفة ، فإن غاب صلى عنه أبو سليمان عبد الرحمن بن الحافظ عبد الغني . وكان يتنفل بين العشاءين بالقرب من محرابه ، فإذا صلى العشاء انصرف إلى منزله بدرب الدولعي بالرصيف ، وأخذ معه من الفقراء من تيسر; يأكلون معه من طعامه ، وكان منزله الأصلي بقاسيون ، فينصرف في بعض الليالي بعد العشاء إلى الجبل ، فاتفق في بعض الليالي أن خطف رجل عمامته ، وكان فيها كاغد فيه رمل ، فقال له الشيخ : خذ الكاغد ، وألق العمامة . فظن الرجل أن الكاغد مالا ، فأخذه وألقى العمامة ، فأخذها الموفق ثم ذهب ، وهذا يدل على ذكاء مفرط واستحضار حسن في الساعة الراهنة ، حتى خلص عمامته من يده بتلطف .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله مصنفات عديدة مشهورة منها " المغني " في شرح " مختصر الخرقي " في عشرة مجلدات ، و " الكافي " في أربعة مجلدات ، و " المقنع " للحفظ ، و " الروضة " في أصول الفقه ، وغير ذلك من التصانيف المفيدة ، وكانت وفاته في يوم عيد الفطر في هذه السنة ، وقد بلغ الثمانين ، وكان يوم سبت ، وحضر جنازته خلق كثير ، ودفن بتربته المشهورة ، ورئيت له منامات [ ص: 119 ] صالحة - رحمه الله تعالى - . وكان له أولاد ذكور وإناث ، فماتوا في حياته . ولم يعقب منهم سوى ابنه عيسى ولدين ، ثم ماتا وانقطع نسله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال أبو المظفر سبط ابن الجوزي : نقلت من خط الشيخ موفق :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      لا تجلسن بباب من يأبى عليك دخول داره     وتقول حاجاتي إلي
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ه يعوقها إن لم أداره     واتركه واقصد ربها
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تقضى ورب الدار كاره

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومما أنشده الشيخ موفق الدين لنفسه - رحمه الله تعالى ورضي عنه - قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبعد بياض الشعر أعمر مسكنا     سوى القبر إني إن فعلت لأحمق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يخبرني شيبي بأني ميت     وشيكا وينعاني إلي ويصدق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      يخرق عمري كل يوم وليلة     فهل أستطيع رقع ما يتخرق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كأني بجسمي فوق نعشي ممددا     فمن ساكت أو معول يتحرق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 120 ] إذا سئلوا عني أجابوا وعولوا     وأدمعهم تنهل هذا الموفق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وغيبت في صدع من الأرض ضيق     وأودعت لحدا فوقه الصخر مطبق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ويحثو علي الترب أوثق صاحب     ويسلمني للقبر من هو مشفق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيا رب كن لي مؤنسا يوم وحشتي     فإني بما أنزلته لمصدق
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما ضرني أني إلى الله صائر     ومن هو من أهلي أبر وأرفق

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فخر الدين بن عساكر :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عبد الرحمن بن محمد بن الحسن بن هبة الله بن عساكر ، فخر الدين أبو منصور الدمشقي ، شيخ الشافعية بها ، وأمه أسماء بنت محمد بن الحسن بن طاهر القريشية المعروف والدها بأبي البركات بن الراني ، وهو الذي جدد مسجد القدم في سنة سبع عشرة وخمسمائة ، وبه قبره وقبرها ، ودفن هناك طائفة كبيرة من العلماء ، وهي أخت آمنة والدة القاضي محيي الدين محمد بن علي بن الزكي .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 121 ] اشتغل الشيخ فخر الدين من صغره بالعلم الشريف على شيخه قطب الدين مسعود النيسابوري ، وتزوج بابنته ، ودرس مكانه بالجاروخية ، وبها كان يسكن في إحدى القاعتين اللتين أنشأهما ، وبها توفي غربي الإيوان ، ثم تولى تدريس الصلاحية الناصرية بالقدس الشريف ، ثم ولاه العادل تدريس التقوية ، وكان عنده أعيان الفضلاء ، ثم تفرغ ، فلزم المجاورة في الجامع في البيت الصغير إلى جانب محراب الصحابة ، يخلو فيه للعبادة والمطالعة والفتاوى . وكانت تفد إليه من الأقطار . وكان كثير الذكر ، حسن السمت ، وكان يجلس تحت قبة النسر في كل يوم اثنين وخميس مكان عمه لإسماع الحديث بعد العصر ، فيقرأ عليه دلائل النبوة وغيره ، وكان يحضر مشيخة دار الحديث النورية ، ومشهد ابن عروة أول ما فتح ، وقد استدعاه الملك العادل بعد ما عزل قاضيه زكي الدين ، فأجلسه إلى جانبه وقت السماط ، وسأل منه أن يلي [ ص: 122 ] القضاء بدمشق ، فقال : حتى أستخير الله تعالى . ثم امتنع من ذلك ، فشق على السلطان امتناعه ، وهم أن يؤذيه ، فقيل له : احمد الله الذي في بلادك مثل هذا ، ولما توفي العادل ، وأعاد ابنه المعظم الخمور أنكر عليه الشيخ فخر الدين ، فبقي في نفسه منه ، فانتزع منه تدريس الصلاحية التي بالقدس وتدريس التقوية ، ولم يبق معه سوى الجاروخية ودار الحديث النورية ، ومشهد ابن عروة . وكانت وفاته يوم الأربعاء بعد العصر عاشر رجب من هذه السنة ، وله خمس وستون سنة ، وصلي عليه بالجامع ، وكان يوما مشهودا ، وحملت جنازته إلى مقابر الصوفية ، فدفن بها ، في أولها قريبا من قبر شيخه قطب الدين مسعود .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ابن عروة ، شرف الدين محمد بن عروة الموصلي ، المنسوب إليه مشهد ابن عروة ، ويقول الناس : مشهد عروة بالجامع الأموي; لأنه أول من فتحه ، وقد كان مشحونا بالحواصل الجامعية ، وبنى فيه البركة ، ووقف فيه على الحديث درسا ، ووقف خزائن كتب فيه ، وكان مقيما بالقدس الشريف ، ولكنه كان من خواص أصحاب الملك المعظم ، فانتقل إلى [ ص: 123 ] دمشق حين خرب سور بيت المقدس إلى أن توفي بها ، وقبره عند قباب أتابك طغتكين قبلي المصلى ، رحمه الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ أبو الحسن الروزبهاري

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      دفن بالمكان المنسوب إليه بين السورين عند باب الفراديس .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ عبد الرحمن اليمني

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كان مقيما بالمنارة الشرقية ، كان صالحا زاهدا ورعا ، ودفن بمقابر الصوفية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الرئيس عز الدين المظفر بن أسعد ، بن حمزة التميمي بن القلانسي ، أحد رؤساء دمشق وكبرائها ، وجده أبو يعلى حمزة ، له تاريخ ذيل به على ابن عساكر ، وقد سمع عز الدين هذا الحديث من الحافظ أبي القاسم ابن عساكر وغيره ، ولزم مجالسة الكندي ، وانتفع به .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الأمير الكبير أحد حجاب الخليفة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      محمد بن سليمان بن قتلمش بن [ ص: 124 ] تركانشاه أبو منصور السمرقندي ، وكان من أولاد الأمراء ، وولي حاجب الحجاب بالديوان العزيز الخليفتي ، وكان يكتب جيدا جدا ، وله معرفة حسنة بعلوم كثيرة; منها الأدب وعلوم الرياضة ، وعمر دهرا ، وله شعر حسن ، ومن شعره قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      سئمت تكاليف هذي الحياة     وكر الصباح بها والمساء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقد كنت كالطفل في عقله     قليل الصواب كثير الهراء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أنام إذا كنت في مجلس     وأسهر عند دخول الغناء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقصر خطوي قيد المشيب     وطال على ما عناني عناء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وغودرت كالفرخ في عشه     وخلفت حلمي وراء وراء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وما جر ذلك غير البقاء     فكيف ترى فعل سوء البقاء

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وله أيضا :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      إلهي يا كثير العفو غفرا     لما أسلفت في زمن الشباب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقد سودت في الآثام وجها     ذليلا خاضعا لك في التراب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فبيضه بحسن العفو عني     وسامحني وخفف من عذابي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 125 ] ولما توفي صلي عليه بالنظامية ، ودفن بالشونيزية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ورآه بعضهم في المنام ، فقال : ما فعل بك ربك؟ فقال :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      تحاشيت اللقاء لسوء فعلي     وخوفا في المعاد من الندامة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فلما أن قدمت على إلهي     وحاقق في الحساب على قلامه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وكان العدل أن أصلى جحيما     تعطف بالمكارم والكرامة
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وناداني لسان العفو منه     ألا يا عبد تهنيك السلامه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي الحسن بن أبي المحاسن زهرة بن الحسن بن زهرة العلوي الحسيني الحلبي ، نقيب الأشراف بها ، كان لديه فضل وعلم بالأدب والعربية ، وأخبار الناس والتواريخ والسير والحديث ، حافظا للقرآن المجيد ، وله شعر جيد ، فمنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد رأيت المعشوق وهو من الهج     ر تنبو النواظر عنه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أثر الدهر فيه آثار سوء     وأدالت يد الحوادث منه
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عاد مستبذلا ومستبدلا عزا     بذل كأنه لم يصنه

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أبو علي يحيى بن محمد بن علي بن المبارك بن الجلاجلي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      من أبناء [ ص: 126 ] التجار ، سمع الحديث ، وكان جميل الهيئة ، يسكن بدار الخلافة ، وكان عنده علم ، وله شعر حسن ، فمنه قوله :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      خير إخوانك المشارك في المر     وأين الشريك في المر أينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الذي إن شهدت سرك في القو     م وإن غبت كان أذنا وعينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      مثل سر العقيان إن مسه النا     ر جلاه الجلاء فازداد زينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وأخو السوء إن يغب عنك يشنئ     ك وإن يحتضر يكن ذاك شينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      جيبه غير ناصح ومناه     أن يصيب الخليل إفكا ومينا
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فاخش منه ولا تلهف عليه     إن غرما له كنقدك دينا

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية