الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وممن توفي بها من الأعيان : [ ص: 170 ] الشيخ الصالح أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله الجبني ، كان فاضلا ، وكتب حسنا ، نسخ " التنبيه " ، و " العمدة " ، وغير ذلك ، وكان الناس ينتفعون به ، ويقابلون معه ، ويصححون عليه ، ويجلسون إليه عند صندوق كان له بالجامع ، توفي ليلة الاثنين سادس المحرم ، ودفن بالصوفية ، وقد صححت عليه في " العمدة " وغيره .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ شهاب الدين الرومي ، أحمد بن محمد بن إبراهيم المراغي ، درس بالمعينية ، وأم بمحراب الحنفية بمقصورتهم الغربية ، إذ كان محرابهم هناك ، وتولى مشيخة الخاتونية ، وكان يؤم بنائب السلطان الأفرم ، وكان يقرأ حسنا بصوت مليح ، وكانت له مكانة عنده ، وربما راح إليه الأفرم ماشيا حتى يدخل عليه زاويته التي أنشأها بالشرف الشمالي على الميدان الكبير ، ولما توفي بالمحرم ودفن بالصوفية قام ولداه عماد الدين وشرف الدين في وظائفه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الشيخ الصالح العدل الأمين ، فخر الدين عثمان بن أبي الوفا بن نعمة الله الأعزازي ، كان ذا ثروة من المال ، كثير المروءة والتلاوة ، أدى الأمانة في ستين [ ص: 171 ] ألف دينار وجواهر ، حيث لا يعلم بها إلا الله عز وجل ، بعد ما مات صاحبها مجردا في الغزاة ، وهو عز الدين الجراحي نائب غزة ، أودعه إياها فأداها إلى أهلها ، أثابه الله ؛ ولهذا لما مات يوم الثلاثاء الثالث والعشرين من ربيع الآخر - حضر جنازته خلق لا يعلمهم إلا الله تعالى ، حتى قيل : إنهم لم يجتمعوا في مثلها قبل ذلك . ودفن بباب الصغير ، رحمه الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قاضي القضاة جمال الدين أبو عبد الله محمد بن سليمان بن سومر الزواوي ، قاضي المالكية بدمشق من سنة سبع وثمانين وستمائة ، قدم مصر من المغرب ، واشتغل بها ، وأخذ عن مشايخها منهم الشيخ عز الدين بن عبد السلام ، ثم قدم دمشق قاضيا في سنة سبع وثمانين وستمائة ، وكان مولده تقريبا في سنة تسع وعشرين وستمائة ، وأقام شعار مذهب مالك ، وعمر الصمصامية في أيامه ، وجدد عمارة النورية ، وحدث ب " صحيح مسلم " ، و " موطأ مالك " ، عن يحيى بن يحيى ، عن مالك ، وكتاب " الشفا " للقاضي عياض ، وعزل قبل وفاته بعشرين يوما عن القضاء ، وهذا من خيره حيث لم يمت قاضيا ، توفي بالمدرسة الصمصامية يوم الخميس التاسع من جمادى الآخرة ، وصلي عليه بعد الجمعة ، [ ص: 172 ] ودفن بمقابر باب الصغير تجاه مسجد النارنج ، وحضر الناس جنازته ، وأثنوا عليه خيرا ، وقد جاوز الثمانين كمالك ، رحمه الله ، ولم يبلغ إلى سبع عشرة من عمره على مقتضى مذهبه أيضا .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      القاضي الصدر الرئيس ، رئيس الكتاب ، شرف الدين أبو محمد عبد الوهاب بن جمال الدين فضل الله بن مجلي القرشي ، العدوي ، العمري ، ولد سنة تسع وعشرين وستمائة ، وسمع الحديث ، وخدم ، وارتفعت منزلته حتى كتب الإنشاء بمصر ، ثم نقل إلى كتابة السر بدمشق إلى أن توفي في ثامن رمضان ، ودفن بقاسيون ، وقد قارب التسعين وهو ممتع بحواسه وقواه ، وكانت له عقيدة حسنة في العلماء ، ولا سيما في ابن تيمية وفي الصلحاء ، رحمه الله ، وقد رثاه الشهاب محمود كاتب السر بعده بدمشق ، وعلاء الدين بن غانم ، وجمال الدين بن نباتة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الفقيه الإمام ، العالم المناظر ، شرف الدين أبو عبد الله الحسين بن الإمام [ ص: 173 ] كمال الدين علي بن إسحاق بن سلام الدمشقي الشافعي ، ولد سنة ثلاث وسبعين وستمائة ، واشتغل ، وبرع ، وحصل ، ودرس بالجاروخية ، والعذراوية ، وأعاد بالظاهرية ، وأفتى بدار العدل ، وكان واسع الصدر ، كثير الهمة ، كريم النفس ، مشكورا في فهمه ، وخطه ، وحفظه ، وفصاحته ، ومناظرته ، توفي في رابع عشرين رمضان ، وترك أولادا ، ودينا كثيرا ، فوفته عنه زوجته بنت زويزان ، تقبل الله منها ، وأحسن إليها .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الصاحب أنيس الملوك ، بدر الدين عبد الرحمن بن إبراهيم الإربلي ، ولد سنة ثمان وثلاثين وستمائة ، واشتغل بالأدب فحصل على جانب جيد منه ، وارتزق عند الملوك به ، فمن رقيق شعره ما أورده الشيخ علم الدين في ترجمته قوله :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ومدامة حمراء تش به خد من أهوى ودمعي     يسعى به قمر أعز
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      علي من نظري وسمعي

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في مغنية :

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وغريرة هيفاء ناعمة السنا     طوع العناق مريضة الأجفان
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      غنت وماس قوامها فكأنها ال     ورقاء تسجع فوق غصن البان

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 174 ] الصدر الرئيس ، شرف الدين محمد بن جمال الدين إبراهيم بن شرف الدين عبد الرحمن بن أمين الدين سالم بن الحافظ بهاء الدين الحسن بن هبة الله بن محفوظ بن صصرى ، باشر عدة جهات ، وخرج مع خاله قاضي القضاة ابن صصرى إلى الحجاز الشريف ، فلما كانوا ببردى اعتراه مرض ، ولم يزل به حتى مات ، توفي بمكة وهو محرم ملب ، فشهد الناس جنازته ، وغبطوه بهذه الموتة ، وكانت وفاته يوم الجمعة آخر النهار سابع ذي الحجة ، ودفن ضحى يوم السبت بمقبرة الحجون ، رحمه الله تعالى ، وأكرم مثواه .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية