الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      نادرة من الغرائب

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في يوم الاثنين سادس عشر من جمادى الأولى اجتاز رجل من الروافض من أهل الحلة بجامع دمشق بعد صلاة العصر ، وهو يسب أول من ظلم آل [ ص: 561 ] محمد ، ويكرر ذلك لا يفتر ، ولم يصل مع الناس ، ولا صلى على الجنازة الحاضرة ، بل الناس في الصلاة وهو يكرر ذلك ويرفع صوته به ، فلما فرغنا من الصلاة نبهت عليه الناس ، فأخذوه وإذا قاضي القضاة الشافعي في تلك الجنازة حاضر مع الناس ، فجئت إليه ، واستنطقته : من الذي ظلم آل محمد ؟ فقال : أبو بكر الصديق . ثم قال جهرة والناس يسمعون : لعن الله أبا بكر ، وعمر ، وعثمان ، ومعاوية ، ويزيد . فأعاد ذلك مرتين ، فأمر به الحاكم إلى السجن ، ثم استحضره المالكي وجلده بالسياط ، وهو مع ذلك يصرخ بالسب واللعن والكلام الذي لا يصدر إلا عن شقي ، واسم هذا اللعين علي بن أبي الفضل بن محمد بن حسين بن كثير ، قبحه الله وأخزاه ، ثم لما كان يوم الخميس تاسع عشره عقد له مجلس بدار السعادة ، وحضر القضاة الأربعة ، وطلب إلى هنالك ، فقدر الله أن حكم نائب المالكي بقتله ، فأخذ سريعا ، فضربت عنقه تحت القلعة ، وحرقه العامة ، وطافوا برأسه البلد ، ونادوا عليه : هذا جزاء من سب أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد ناظرت هذا الجاهل بدار القاضي المالكي ، وإذا عنده شيء مما يقوله الرافضة الغلاة ، وقد تلقى عن أصحاب ابن مطهر أشياء في الكفر والزندقة ، قبحه الله وإياهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وورد الكتاب بإلزام أهل الذمة بالشروط العمرية . وفي يوم الجمعة ثامن عشر رجب الفرد قرئ بجامع دمشق بالمقصورة بحضرة نائب السلطنة ، وأمراء الأعراب ، وكبار الأمراء ، وأهل الحل والعقد والعامة ، كتاب السلطان بإلزام أهل [ ص: 562 ] الذمة بالشروط العمرية وزيادات أخر; منها أن لا يستخدموا في شيء من الدواوين السلطانية والأمراء ولا في شيء من الأشياء ، وأن لا تزيد عمامة أحدهم على عشرة أذرع ، ولا يركبوا الخيل ولا البغال ، ولكن الحمير بالأكف عرضا ، وأن لا يدخلوا إلا بالعلامات من جرس ، أو بخاتم نحاس أصفر أو رصاص ، ولا تدخل نساؤهم مع المسلمات الحمامات ، وليكن لهن حمامات تختص بهن ، وأن يكون إزار النصرانية من كتان أزرق ، واليهودية من كتان أصفر ، وأن يكون أحد خفيها أسود والآخر أبيض ، وأن يحمل حكم مواريثهم على الأحكام الشرعية .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واحترقت باشورة بباب الجابية في ليلة الأحد العشرين من جمادى الآخرة ، وعدم المسلمون تلك الأطعمات والحواصل النافعة من الباب الجواني إلى الباب البراني .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي مستهل شهر رمضان عمل الشيخ الإمام العالم البارع شمس الدين بن النقاش المصري الشافعي - ورد دمشق - بالجامع الأموي تجاه محراب الصحابة - ميعادا للوعظ ، واجتمع عنده خلق من الأعيان والفضلاء والعامة ، وشكروا كلامه وطلاقه عبارته ، من غير تلعثم ولا تخليط ولا توقف ، وطال ذلك إلى قريب العصر .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي صبيحة يوم الأحد ثالثه صلي بجامع دمشق بالصحن تحت النسر على [ ص: 563 ] القاضي جمال الدين حسين ابن قاضي القضاة تقي الدين السبكي الشافعي ، ونائبه ، وحضر نائب السلطنة الأمير علاء الدين علي ، وقضاة البلد والأعيان والدولة وكثير من العامة ، وكانت جنازته محشودة ، وحضر والده قاضي القضاة وهو يهادى بين رجلين ، يظهر عليه الحزن والكآبة ، فصلى عليه إماما ، وتأسف الناس عليه; لسماحة أخلاقه وانجماعه على نفسه ، لا يتعدى شره إلى غيره ، وكان يحكم جيدا ، نظيف العرض في ذلك ، وكان قد درس في عدة مدارس ، منها الشامية البرانية والعذراوية ، وأفتى ، وتصدر ، وكانت لديه فضيلة جيدة بالنحو والفقه والفرائض وغير ذلك ، ودفن بسفح قاسيون في تربة معروفة لهم ، رحمهم الله .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية