الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1837 ص: فإن قال قائل: فقد أخبرت أم سلمة أن النبي - عليه السلام - قد كان نهى عنهما ثم صلاهما بعد ذلك لما تركهما بعد الظهر، فهكذا أقول يصليهما بعد العصر من تركها بعد الظهر، ولا يصلي أحد بعد العصر شيئا من التطوع غيرهما.

                                                قيل له: إن رسول الله - عليه السلام - لما صلاهما حينئذ قد نهى أن يقضيهما أحد، وذلك أن علي بن شيبة قد حدثنا، قال: ثنا يزيد بن هارون ، قال: ثنا حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ، عن ذكوان ، عن أم سلمة ، - رضي الله عنها - قالت: " صلى رسول الله - عليه السلام -

                                                [ ص: 178 ] العصر ثم دخل بيتي فصلى ركعتين، فقلت: يا رسول الله، صليت صلاة لم تكن تصليها؟ قال: قدم مال فشغلني عن ركعتين كنت أركعهما بعد الظهر فصليتها الآن. قلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا".
                                                .

                                                فنهى رسول الله - عليه السلام - في هذا الحديث أحدا أن يصليهما بعد العصر قضاء عما كان يصليه بعد الظهر.

                                                فدل ذلك على أن حكم غيره فيهما إذا فاتتاه خلاف حكمه، فليس لأحد أن يصليهما بعد العصر ولا أن يتطوع بعد العصر أصلا.

                                                وهذا هو النظر أيضا; وذلك أن الركعتين بعد الظهر أيضا ليستا فرضا، فإذا تركتا حتى تصلى صلاة العصر، فإن صليتا بعد ذلك فإنما تطوع بهما مصليهما في غير وقت تطوع; فلذلك نهينا أحدا أن يصلي بعد العصر تطوعا، وجعلنا هاتين الركعتين وغيرهما من سائر التطوع في ذلك سواء.

                                                وهذا قول أبي حنيفة ، وأبي يوسف ، ومحمد بن الحسن رحمهم الله.

                                                التالي السابق


                                                ش: تقرير السؤال أن يقال: سلمنا ما ذكرتم من أن الصحابة كانوا ينهون عن هاتين الركعتين بعد العصر، وأن عمر - رضي الله عنه - كان يضرب الناس على ذلك، ولكن لا نسلم مع ذلك إذا كان يصليهما قضاء عما فاته من ركعتي الظهر، وهو مذهب الشافعي، فإن عنده إذا صلاهما قضاء عنهما بعد العصر فلا بأس بذلك، وقد ذكرناه فيما مضى.

                                                وتقرير الجواب أن يقال: إن ما ذكرتم إنما يصح إذا لم يكن فيه نهي أيضا، وقد ورد النهي عن النبي - عليه السلام - عن قضائهما أيضا إذا فاتتاه من الظهر، ألا ترى أن أم سلمة - رضي الله عنها - لما قالت: "قلت: يا رسول الله، أفنقضيهما إذا فاتتانا؟ قال: لا"، فنهى النبي - عليه السلام - أن يصليهما أحد بعد العصر قضاء عما كان يصليه بعد الظهر، فعلم من ذلك أن الصلاة التطوع منهي عنها بعد العصر مطلقا، فإذا صلاهما بعد العصر يكون متطوعا قضاء عن تطوع، والتطوع في غير وقت التطوع لا يجوز; فيدخل تحت النهي، وهو وجه النظر والقياس أيضا.

                                                [ ص: 179 ] وإسناد حديث أم سلمة هذا صحيح، ورجاله ثقات.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا يزيد، أنا حماد بن سلمة ، عن الأزرق بن قيس ... إلى آخره نحوه.

                                                قوله: "أفنقضيهما" الهمزة للاستفهام، والضمير يرجع إلى الركعتين اللتين بعد الظهر.

                                                قوله: "إذا فاتتانا" الضمير المرفوع في "فاتتا" يرجع إلى الركعتين و"نا" ضمير منصوب.

                                                قوله "قال: لا" أي: لا تقضيهما إذا فاتتا، وهذا دليل صريح على أن السنن إذا فاتت عن وقتها لا تقضى، وأن ما كان - عليه السلام - يفعله كان مخصوصا به، والله أعلم.




                                                الخدمات العلمية