الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                صفحة جزء
                                                1966 1967 ص: وأما ما روي في ذلك عن غير ابن عمر، عن النبي - عليه السلام -:

                                                فحدثنا علي بن شيبة ، قال: ثنا يزيد بن هارون، قال: أنا عبيدة الضبي (ح).

                                                وحدثنا ربيع الجيزي ، قال: ثنا علي بن معبد ، قال: ثنا عبيد الله بن عمرو ، عن زيد بن أبي أنيسة ، عن عبيدة (ح).

                                                وحدثنا ابن مرزوق، قال: ثنا أبو عامر ، قال: ثنا إبراهيم بن طهمان ، عن عبيدة ، عن إبراهيم النخعي ، عن سهم بن منجاب ، عن قزعة ، عن القرثع ، عن أبي أيوب الأنصاري ، - رضي الله عنه - قال: " أدمن رسول الله - عليه السلام - أربع ركعات بعد زوال الشمس، فقلت: يا رسول الله - عليه السلام - إنك تدمن هؤلاء الأربع ركعات؟ فقال: يا أبا أيوب ، إذا زالت الشمس فتحت أبواب السماء فلم ترتج حتى يصلى

                                                [ ص: 375 ] الظهر، فأحب أن يصعد لي فيهن عمل صالح قبل أن ترتج. فقلت: يا رسول الله، في كلهن قراءة؟ قال: نعم، قلت: بينهن تسليم فاصل؟ قال: لا، إلا التشهد" .


                                                فقد ثبت بهذا الحديث أنه قد يجوز أن يتطوع بأربع ركعات بالنهار لا يسلم بينهن، فثبت بذلك قول من ذكرنا أنه ذهب إلى ذلك.

                                                التالي السابق


                                                ش: أي وأما ما روي من التطوع في النهار بأربع ركعات عن غير عبد الله بن عمر من الصحابة - رضي الله عنهم - فحديث أبي أيوب الأنصاري - رضي الله عنه -.

                                                وأخرجه من أربع طرق:

                                                الأول: عن علي بن شيبة بن الصلت السدوسي ، عن يزيد بن هارون شيخ أحمد روى له الجماعة، عن عبيدة -بضم العين وفتح الباء- بن معتب الضبي الكوفي روى له الجماعة سوى مسلم والنسائي، ولكن البخاري مستشهدا، وفيه كلام كثير، عن إبراهيم النخعي ، عن سهم بن منجاب بن راشد الضبي الكوفي روى له الجماعة سوى البخاري ، عن قزعة بن يحيى -ويقال: ابن الأسود- أبي الغادية البصري روى له الجماعة، عن القرثع -بفتح القاف وسكون الراء وفتح الثاء المثلثة وفي آخره عين مهملة- الضبي، وكان من القراء الأولين، وذكره ابن أبي حاتم في كتاب "الجرح والتعديل" وسكت عنه، وقال ابن حبان: يروي أحاديث يخالف فيها الثقات.

                                                وأخرجه أحمد في "مسنده" : ثنا أبو معاوية، نا عبيدة ، عن إبراهيم ، عن سهم ابن منجاب ، عن قزعة ، عن القرثع ، عن أبي أيوب الأنصاري قال: "أدمن رسول الله - عليه السلام - أربع ركعات عند زوال الشمس، قال: فقلت: يا رسول الله، ما هذه الركعات التي أراك قد أدمنتها؟ قال: إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس فلا ترتج حتى يصلى الظهر فأحب أن يصعد لي فيها خير. قال: قلت:

                                                [ ص: 376 ] يا رسول الله، تقرأ فيهن كلهن؟ قال: قال: نعم. قال: قلت: ففيها سلام فاصل؟ قال: لا".


                                                وأخرجه أبو داود مختصرا، وليس في روايته ذكر قزعة، وقال: ثنا ابن المثنى، نا محمد بن جعفر، نا شعبة، قال: سمعت عبيدة ، عن إبراهيم ، عن ابن منجاب ، عن قرثع ، عن أبي أيوب ، عن النبي - عليه السلام - قال: "أربع قبل الظهر ليس فيهن تسليم تفتح لهن أبواب السماء" قال أبو داود: بلغني عن يحيى بن سعيد القطان، قال: لو حدثت عن عبيدة بشيء لحدثت بهذا الحديث.

                                                قال أبو داود: عبيدة ضعيف، وابن منجاب هو سهم.

                                                وقال: البيهقي: وجاء هذا الحديث عن شعبة، وفيه عن سهم، عن قزعة ، عن قرثع. وقيل: عن قرثع ، عن قزعة .

                                                قوله: "أدمن رسول الله" من قولهم: فلان يدمن كذا أي يديمه.

                                                وقوله: "أربع ركعات" مفعول لقوله: "أدمن".

                                                قوله: "فلم ترتج" أي: فلم تغلق من ارتجت الباب إذا أغلقته، والإرتاج: الغلق، ويروى: "فلن ترتج" ويروى: "فلا ترتج".

                                                الثاني: عن ربيع بن سليمان الجيزي البصري الأعرج شيخ أبي داود والنسائي -وثقه ابن يونس والخطيب- عن علي بن معبد بن شداد العبدي -وثقه أبو حاتم- عن عبيد الله بن عمرو الرقي روى له الجماعة، عن زيد بن أبي أنيسة الجزري روى له الجماعة، عن عبيدة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه البيهقي في "سننه" : من حديث هشيم وإسماعيل بن زكرياء، كلاهما عن عبيدة ، عن إبراهيم ، عن سهم بن منجاب ، عن قزعة ، عن قرثع ، عن

                                                [ ص: 377 ] أبي أيوب الأنصاري قال: "أدمن رسول الله - عليه السلام - أربع ركعات يصليهن حين تزول الشمس في منزل أبي أيوب، فقلت: يا رسول الله - عليه السلام -، ما هذه الصلاة؟ قال: إن أبواب السماء تفتح حين تزول الشمس فلا ترتج حتى يصلى الظهر، فأحب أن يصعد لي فيهن خير قبل أن ترتج أبواب السماء. قال: يا رسول الله - عليه السلام -، تقرأ فيهن -أو يقرأ فيهن- كلهن؟ قال: نعم. قال: فيهن سلام فاصل؟ قال: لا، إلا في آخرهن".

                                                الثالث: عن إبراهيم بن مرزوق ، عن أبي عامر عبد الملك بن عمرو العقدي روى له الجماعة، عن إبراهيم بن طهمان بن شعبة الخراساني روى له الجماعة، عن عبيدة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه الطبراني في "الكبير" : ثنا عبد الرحمن بن سهل الرازي ، عن سهل بن عثمان، ثنا محمد بن فضيل ، عن عبيدة ، عن إبراهيم ، عن سهم بن منجاب ، عن القرثع الضبي ، عن أبي أيوب قال: "كان رسول الله - عليه السلام - يصلي أربع ركعات قبل الظهر حين تزول الشمس، فقلت: يا رسول الله، ما هذه الصلاة؟ قال: إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس حتى يصلى الظهر، وإني لأحب أن يرفع لي فيهن عمل صالح".

                                                وفي رواية أخرى له: "قال: تقرأ فيهن؟ قال: نعم. قال: تفصل فيهن بسلام؟ قال: لا".

                                                الرابع: عن عبد العزيز بن معاوية القرشي ، عن فهد بن حيان -بالياء آخر الحروف المشددة- النهشلي البصري - ضعفه ابن المديني وأبو حاتم- عن شعبة بن الحجاج ، عن عبيدة ... إلى آخره.

                                                وأخرجه أبو داود : عن ابن المثنى ، عن محمد بن جعفر ، عن شعبة ... إلى آخره وقد ذكرناه.

                                                [ ص: 378 ] وأخرجه ابن ماجه : عن علي بن محمد ، عن وكيع ، عن عبيدة بن معتب الضبي ، عن إبراهيم ، عن سهم بن منجاب ، عن قزعة ، عن قرثع ، عن أبي أيوب الأنصاري: "أن النبي - عليه السلام - كان يصلي قبل الظهر أربعا، إذا زالت الشمس لا يفصل بينهن بسلام، وقال: إن أبواب السماء تفتح إذا زالت الشمس".

                                                قوله: "فقد ثبت بهذا الحديث" أي بحديث أبي أيوب الأنصاري، أنه قد يجوز أن يتطوع الرجل بالنهار بأربع ركعات بتسليمة واحدة في آخرهن، فثبت بذلك -أي بحديث أبي أيوب- قول من ذكرنا أنه ذهب إلى ذلك أي إلى أن التطوع بالنهار هو أربع ركعات بتسليمة واحدة، وهو قول أصحابنا، فإذا كان حجة لهم يكون حجة على من خالفهم في ذلك.

                                                فإن قيل: قال أبو جعفر المعروف بالإمام: رأيت أبا عبد الله وإسحاق بن أبي إسرائيل في المسجد الجامع قبل الصلاة، فصلى أبو عبد الله عشر ركعات ركعتين ركعتين، وصلى إسحاق ثمان ركعات أربعا أربعا لم يفصل بينهن بسلام. فقلت لإسحاق، فقال: حديث أبي أيوب أن النبي - عليه السلام - كان يصلي قبل الظهر أربعا لا يفصل بينهن بسلام. فجئت إلى أبي عبد الله فسألته فقال: حديث شعبة عن يعلى بن عطاء، فذكر الحديث الذي مضى ذكره في أول الباب، قال: فقلت: فحديث أبي أيوب في الأربع؟ قال: هذا رواه قرثع وقزعة، ومن قرثع وقزعة؟! انتهى.

                                                وفي "صحيح ابن خزيمة" : وأما الخبر الذي احتج به بعض الناس في الأربع قبل الظهر بتسليمة -حديث أبي أيوب- فإنه روي بسند لا يحتج بمثله من له معرفة برواية الآثار، وروي شبيها به عن المسيب بن رافع ، عن علي بن الصلت ، عن أبي أيوب مرفوعا إلا أنه ليس فيه: "لا يسلم بينهن" ولست أعرف عليا هذا

                                                [ ص: 379 ] ولا أدري من أي بلاد الله تعالى، ولا أفهم ألقي أبا أيوب أم لا؟ ولا يحتج بمثل هذه الأسانيد إلا معاند أو جاهل.

                                                قلت: الجواب عليه من وجهين:

                                                الأول: بطريق المنع، فنقول: قول أبي عبد الله: "من قرثع وقزعة؟ " لا يلزم منه تضعيفهما ولا تضعيف الحديث بهما; لأن قزعة روى له الجماعة، وقال العجلي: بصري تابعي ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وأما قرثع فإنه تابعي، ولما أخرج أبو داود حديثه عن أبي أيوب لم يضعفه بقرثع وإنما ضعفه بعبيدة بن معتب .

                                                فإن قيل: فحينئذ ثبت المدعى، وصار الحديث ضعيفا وهو الوارد عليكم.

                                                قلت: يحتمل أن يكون عبيدة ثقة عند الطحاوي، وقال أبو زرعة: ليس بقوي. وقال ابن عدي: يكتب حديثه.

                                                وأما تشنيع ابن خزيمة فغير رائج ولا طائل; لأنه متحامل فيما قاله، وقد قال أبو نعيم الحافظ في كتاب "قربان المتقين": روى حديث أبي أيوب عنه أبو أسامة ، عن ابن زحر ، عن علي بن القاسم ، والشعبي من حديث السري بن إسماعيل ومحمد بن أيوب من حديث السكن بن أبي كريمة ، عن أبي الزناد ، عن الأعرج، عنه.

                                                ورواه ثوبان عن النبي - عليه السلام - كرواية أبي أيوب من حديث صالح بن جبير، ثنا أبو أسماء الرحبي، عنه.

                                                وعمر بن الخطاب - رضي الله عنه - من رواية عبد الله بن محمد بن فاختة، ثنا هارون، ثنا علي بن عاصم ، عن يحيى البكاء ، عن ابن عمر، عنه.

                                                وعبد الله بن السائب من رواية ابن أبي ليلى ، عن عبد الكريم ، عن مجاهد، عنه.

                                                والعباس بن عبد المطلب من رواية موسى بن عبيدة ، عن سعيد بن أبي سعيد مولى أبي بكر، ثنا محمد بن عمرو بن حزم ، عن أبي رافع، عنه.

                                                [ ص: 380 ] والفضل بن عباس من رواية عبد الرحمن بن حميد الطائي ، عن أبيه، عن أبي رافع، عنه.

                                                وأم سلمة من رواية عمر بن قيس ، عن ابن جبير، عنها.

                                                الجواب الثاني: بطريق التسليم وهو أن نقول: ولئن سلمنا ضعف هذا الحديث، فالأحاديث الضعيفة يحتج بها في أبواب الفضائل والرغائب، وما نحن فيه من هذا القبيل، وأيضا يجوز أن يكون ذكر هذا الحديث متابعة لما روى في هذا الباب من الصحيح، فافهم.




                                                الخدمات العلمية