الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6744 27 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري، أخبرني السائب بن يزيد ابن أخت نمر أن حويطب بن عبد العزى أخبره أن عبد الله بن السعدي أخبره أنه قدم على عمر في خلافته، فقال له عمر: ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا، فإذا أعطيت العمالة كرهتها؟ فقلت: بلى، فقال عمر: ما تريد إلى ذلك؟ قلت: إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير، وأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين، قال عمر: لا تفعل؛ فإني كنت أردت الذي أردت، فكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه أفقر إليه مني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: خذه، فتموله، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وإلا فلا تتبعه نفسك.

                                                                                                                                                                                  وعن الزهري قال: حدثني سالم بن عبد الله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت عمر يقول: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يعطيني العطاء، فأقول: أعطه أفقر إليه مني، حتى أعطاني مرة مالا، فقلت: أعطه من هو أفقر إليه مني، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: خذه، فتموله، وتصدق به، فما جاءك من هذا المال وأنت غير مشرف ولا سائل فخذه، وما لا فلا تتبعه نفسك .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة. وأبو اليمان الحكم بن نافع . وشعيب بن أبي حمزة . والزهري محمد بن مسلم . والسائب بن يزيد - من الزيادة - ابن أخت نمر - بفتح النون وكسر الميم بعدها راء - هو الصحابي المشهور، وأدرك من زمن النبي -صلى الله عليه وسلم- ست سنين، وحفظ عنه، وهو من أواخر الصحابة موتا، وآخر من مات منهم بالمدينة . وقال أبو عمر : قيل: إنه توفي سنة ثمانين. وقيل: ست وثمانين. وقيل: سنة إحدى وتسعين، وهو ابن أربع وتسعين. وقيل: ست وتسعين. وحويطب - تصغير الحاطب بالمهملتين - ابن عبد العزى - اسم الصنم المشهور - العامري، من الطلقاء، كان من مسلمة الفتح، وهو أحد المؤلفة قلوبهم، أدرك الإسلام وهو ابن ستين سنة أو نحوها، وأعطي من غنائم بدر مائة بعير، وكان ممن دفن عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه، وباع من معاوية دارا بالمدينة بأربعين ألف دينار، مات بالمدينة في آخر خلافة معاوية ، وهو ابن مائة وعشرين سنة. وعبد الله بن السعدي هو عبد الله بن وقدان بن عبد شمس بن عبد ود ، وإنما قيل له: ابن السعدي ؛ لأن أباه كان مسترضعا في بني سعد ، مات بالمدينة سنة سبع وخمسين، وليس له في البخاري إلا هذا الحديث الواحد.

                                                                                                                                                                                  وهذا الإسناد من الغرائب، اجتمع فيه أربعة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم.

                                                                                                                                                                                  والحديث أخرجه مسلم في الزكاة عن أبي الطاهر بن السرح وغيره. وأخرجه أبو داود فيه وفي الجراح، عن أبي الوليد الطيالسي ، عن ليث به. وأخرجه النسائي في الزكاة، عن قتيبة به وغيره.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ألم أحدث " بضم الهمزة وفتح الحاء وتشديد الدال.

                                                                                                                                                                                  قوله: " تلي من أعمال الناس " أي الولايات من إمرة أو قضاء أو نحوهما، ووقع في رواية بشر بن سعيد عند مسلم : استعملني عمر رضي الله تعالى عنه على الصدقة ، فعين الولاية .

                                                                                                                                                                                  قوله: " فإذا [ ص: 244 ] أعطيت " على صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  قوله: " العمالة " بالضم أجرة العمل، وبالفتح نفس العمل.

                                                                                                                                                                                  قوله: " ما تريد إلى ذلك " يعني: ما غاية قصدك بهذا الرد.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أفراسا " جمع فرس.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وأعبدا " جمع عبد، كذا في رواية الأكثرين، وفي رواية الكشميهني : " أعتدا " بضم التاء المثناة من فوق جمع عتيد، وهو المال المدخر.

                                                                                                                                                                                  قوله: " الذي أردت " بفتح التاء.

                                                                                                                                                                                  قوله: " يعطيني العطاء " أي المال الذي يقسمه الإمام في المصالح.

                                                                                                                                                                                  قوله: " أعطه أفقر إليه مني " أي: أعط بهمزة القطع الذي هو أفقر إليه مني، وفصل بين أفعل التفضيل وبين كلمة من؛ لأنه إنما لم يجز عند النحاة إذا كان أجنبيا، وهنا هو ألصق به من الصلة؛ لأن ذلك محتاج إليه بحسب جوهر اللفظ، والصلة محتاج إليها بحسب الصيغة.

                                                                                                                                                                                  قوله: " غير مشرف " أي: غير طامع ولا ناظر إليه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وإلا " أي: وإن لم يجئ إليك فلا تتبعه نفسك في طلبه، واتركه. قيل: لم منعه رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - من الإيثار؟ أجيب بأنه أراد الأفضل والأعلى من الأجر؛ لأن عمر وإن كان مأجورا بإيثاره الأحوج، لكن أخذه ومباشرته الصدقة بنفسه أعظم، وذلك لأن التصدق بعد التمول إنما هو دفع الشح الذي هو مستول على النفوس.

                                                                                                                                                                                  قوله: " وعن الزهري ، حدثني سالم " هو موصول بالسند المذكور أولا إلى الزهري . وقد أخرج النسائي ، عن عمرو بن منصور ، عن أبي اليمان شيخ البخاري الحديثين المذكورين بالسند المذكور إلى عمر رضي الله عنه.

                                                                                                                                                                                  وفيه أخذ الرزق لمن اشتغل بشيء من مصالح المسلمين ، وذكر ابن المنذر أن زيد بن ثابت رضي الله تعالى عنه كان يأخذ الأجر على القضاء. وروي ذلك عن ابن سيرين وشريح ، وهو قول الليث وإسحاق وأبي عبيد ، وقال الشافعي : إذا أخذ القاضي جعلا لم يجز عندي، وقال ابن المنذر : وحديث ابن السعدي حجة في جواز إرزاق القضاة من وجوهها.

                                                                                                                                                                                  وفيه أن أخذ ما جاء من المال بغير مسألة أفضل من تركه ؛ لأنه يقع في إضاعة المال، وقد نهى الشرع عن ذلك. وذهب بعض الصوفية إلى أن المال إذا جاء من غير إشراف نفس ولا سؤال لا يرد؛ فإن رد عوقب بالحرمان، ويحكى عن أحمد أيضا وأهل الظاهر . وقال ابن التين : في هذا الحديث كراهة أخذ الرزق على القضاء مع الاستغناء، وإن كان المال طيبا.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية