الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  6524 5 - حدثنا أبو النعمان محمد بن الفضل، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن عكرمة قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله، ولقتلتهم، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه.

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة في قوله: من بدل دينه فاقتلوه ، والذي يبدل دينه هو المرتد.

                                                                                                                                                                                  وأيوب هو السختياني ، وعكرمة: مولى عبد الله بن عباس .

                                                                                                                                                                                  والحديث مضى في الجهاد عن علي بن عبد الله ، ومر الكلام فيه.

                                                                                                                                                                                  قوله "أتي علي " صيغة المجهول.

                                                                                                                                                                                  قوله: "بزنادقة " جمع زنديق بكسر الزاي، فارسي معرب، وقال سيبويه : الهاء في زنادقة بدل من ياء زنديق، وقد تزندق، والاسم الزندقة، واختلف في تفسيره فقيل: هو المبطن للكفر المظهر للإسلام كالمنافق، وقيل: قوم من الثنوية القائلين بالخالقين، وقيل: من لا دين له، وقيل: هو من تبع كتاب زردشت المسمى بالزند، وقيل: هم طائفة من الروافض تدعى السبائية ادعوا أن عليا رضي الله تعالى عنه إله، وكان رئيسهم عبد الله بن سبإ بفتح السين المهملة وتخفيف الباء الموحدة، وكان أصله يهوديا.

                                                                                                                                                                                  قوله: "فأحرقهم " قد مضى في كتاب الجهاد في باب لا يعذب بعذاب الله من طريق سفيان بن عيينة عن أيوب بهذا السند: أن عليا رضي الله عنه حرق قوما ، وروى الحميدي عن سفيان بلفظ: حرق المرتدين، وروى ابن أبي شيبة : كان أناس يعبدون الأصنام في السر، وروى الطبراني في الأوسط من طريق سويد بن غفلة أن عليا رضي الله تعالى عنه بلغه أن قوما ارتدوا عن الإسلام، فبعث إليهم فأطعمهم، ثم دعاهم إلى الإسلام فأبوا، فحفروا حفيرة، ثم أتى بهم فضرب أعناقهم ورماهم فيها، ثم ألقى عليهم الحطب فأحرقهم، ثم قال: صدق الله ورسوله ، وروى الإسماعيلي حديث عكرمة ولفظه: أن عليا أتي بقوم قد ارتدوا عن الإسلام، أو قال: بزنادقة ومعهم كتب لهم، فأمر بنار فأنضجت، ورماهم فيها ، وروي عن قتادة أن عليا أتي بناس من الزط يعبدون وثنا فأحرقهم ، فقال ابن عباس .... الحديث.

                                                                                                                                                                                  قوله "فبلغ ذلك ابن عباس " أي بلغ ما فعله علي من الإحراق بالنار، وكان ابن عباس حينئذ أميرا على البصرة من قبل علي رضي الله تعالى عنه.

                                                                                                                                                                                  قوله: " لنهي رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لا تعذبوا بعذاب الله " أي لنهيه عن القتل بالنار بقوله: لا تعذبوا، وهذا يحتمل أن يكون ابن عباس قد سمعه من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم، ويحتمل أن يكون قد سمعه من بعض الصحابة، واختلف في الزنديق : هل يستتاب؟ فقال مالك والليث وأحمد وإسحاق : يقتل ولا تقبل توبته، وقول أبي حنيفة وأبي يوسف مختلف فيه، فمرة قالا بالاستتابة، ومرة قالا لا. قلت: روي عن أبي حنيفة أنه قال: إن أتيت بزنديق أستتيبه، فإن تاب وإلا قتلته، وقال الشافعي : يستتاب كالمرتد، وهو قول عبد الله بن الحسن ، وذكر ابن المنذر عن علي رضي الله تعالى عنه مثله، وقيل لمالك : لم تقتله ورسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ [ ص: 80 ] فقال: لأن توبته لا تعرف، وقال ابن الطلاع في أحكامه: لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه صلى الله تعالى عليه وسلم قتل مرتدا ولا زنديقا، وقتل الصديق امرأة يقال لها أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.




                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية