الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الثالث ) : اختلف العلماء في الصلاة على غير الأنبياء - عليهم الصلاة والسلام - هل تجوز استقلالا أم لا ؟ قال الإمام المحقق ابن القيم في ( جلاء الأفهام ) : هذه المسألة على نوعين :

أحدهما : أن يقال : اللهم صل على آل محمد ، فهذا يجوز ، ويكون عليه الصلاة والسلام داخلا في آله ، فالإفراد عنه وقع لفظا لا معنى .

الثاني : أن يفرد واحد بالذكر ، كقوله : اللهم صل على علي أو حسن أو أبي بكر أو غيرهم من الصحابة ومن بعدهم ، فكره ذلك الإمام مالك ، قال : لم يكن ذلك من عمل من مضى . وهو مذهب أبي حنيفة ، وسفيان بن عيينة ، والثوري ، وبه قال طاوس ، وقال ابن عباس - رضي الله [ ص: 55 ] عنهما : لا تنبغي الصلاة إلا على النبي ، ولكن يدعى للمسلمين والمسلمات بالاستغفار . وهذا مذهب عمر بن عبد العزيز ، روى ابن أبي شيبة ، عن جعفر بن برقان ، قال : كتب عمر بن عبد العزيز - رحم الله روحه : أما بعد ، فإن ناسا من الناس قد التمسوا الدنيا بعمل الآخرة ، وإن من القصاص قد أحدثوا في الصلاة على خلفائهم وأمرائهم عدل صلاتهم على النبي - صلى الله عليه وسلم - فإذا جاء كتابي فمرهم أن تكون صلاتهم على النبيين ، ودعاؤهم للمسلمين عامة ، وهذا مذهب الشافعية ، ولهم ثلاثة أوجه : منع تحريم ، أو كراهة تنزيه ، أو من باب ترك الأولى ، حكاها النووي في الأذكار .

وقالت طائفة من العلماء : تجوز الصلاة على غير النبي استقلالا ، قال القاضي أبو يعلى - من أئمة مذهبنا - في كتابه رءوس المسائل : وبذلك قال الحسن البصري ، وخصيف ، ومجاهد ، ومقاتل بن سليمان ، ومقاتل بن حيان ، وكثير من أهل التفسير ، وهو قول الإمام أحمد - رضي الله عنه ، نص عليه في رواية أبي داود ، وقد سئل : أينبغي أن لا يصلى على أحد إلا على النبي - صلى الله عليه وسلم ؟ قال : أليس قال علي لعمر : صلى الله عليك ؟ قال القاضي ، وبه قال إسحاق بن راهويه ، وأبو ثور ، وابن جرير الطبري ، واحتجوا بصلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - على جماعة من أصحابه ممن كان يأتيه بالصدقة . واختار الإمام المحقق ابن القيم الجواز ، ما لم يتخذه شعارا أو يخص به واحدا إذا ذكر دون غيره ، ولو كان أفضل منه ، كفعل الرافضة مع أمير المؤمنين علي وأهل بيته دون غيرهم من الصحابة - رضوان الله عليهم - أجمعين ، فيكره حينئذ ، ولو قيل بالتحريم ، لكان له وجه . هذا ملخص كلامه ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية