الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
تنبيه .

لكون الجناس من المحاسن اللفظية لا المعنوية ترك عند قوة المعنى كقوله تعالى : [ ص: 172 ] وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين [ يوسف : 17 ] ، قيل : ما الحكمة في كونه لم يقل : ( وما أنت بمصدق ) ، فإنه يؤدي معناه مع رعاية التجنيس . وأجيب : بأن في : بمؤمن لنا من المعنى ليس في ( مصدق ) ؛ لأن معنى قولك : ( فلان مصدق لي ) قال لي : صدقت ، وأما ( مؤمن ) فمعناه مع رعاية التصديق إعطاء الأمن ، ومقصودهم التصديق وزيادة ؛ وهو طلب الأمن ، فلذلك عبر به .

وقد زل بعض الأدباء فقال في قوله : أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين [ الصافات : 125 ] ، لو قال : ( وتدعون ) لكان فيه مراعاة التجنيس .

وأجاب الإمام فخر الدين : بأن فصاحة القرآن ليست لرعاية هذه التكلفات ، بل لأجل قوة المعاني وجزالة الألفاظ . وأجاب غيره بأن مراعاة المعاني أولى من مراعاة الألفاظ ، ولو قال : ( أتدعون ) ، ( وتدعون ) لوقع الالتباس على القارئ فيجعلهما بمعنى واحد تصحيفا . وهذا الجواب غير ناضج .

وأجاب ابن الزملكاني بأن التجنيس تحسين ، وإنما يستعمل في مقام الوعد والإحسان لا في مقام التهويل .

وأجاب الخويي بأن ( تدع ) أخص من ( تذر ) ؛ لأنه بمعنى ترك الشيء مع اعتنائه بشهادة الاشتقاق ، نحو الإيداع ، فإنه عبارة عن ترك الوديعة مع الاعتناء بحالها ، ولهذا يختار لها من هو مؤتمن عليها ، ومن ذلك الدعة بمعنى الراحة ، وأما ( تذر ) فمعناه الترك مطلقا أو الترك مع الإعراض والرفض الكلي .

قال الراغب : يقال : فلان يذر الشيء ؛ أي : يقذفه لقلة الاعتداد به ، ومنه الوذرة - قطعة من اللحم - لقلة الاعتداد به ، ولا شك أن السياق إنما يناسب هذا دون الأول ، فأريد هنا تبشيع حالهم في الإعراض عن ربهم ، وأنهم بلغوا الغاية في الإعراض . انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية