الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ اللف والنشر ]

اللف والنشر : هو أن يذكر شيئان أو أشياء ، إما تفصيلا بالنص على كل واحد ، أو [ ص: 177 ] إجمالا بأن يؤتى بلفظ يشتمل على متعدد ثم يذكر أشياء على عدد ذلك ، كل واحد يرجع إلى واحد من المتقدم ، ويفوض إلى عقل السامع رد كل واحد إلى ما يليق به .

فالإجمالي : كقوله تعالى : وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى [ البقرة : 111 ] ؛ أي : وقالت اليهود : لن يدخل الجنة إلا اليهود ، وقالت النصارى : لن يدخل الجنة إلا النصارى ، وإنما سوغ الإجمال في اللف ثبوت العناد بين اليهود والنصارى ، فلا يمكن أن يقول أحد الفريقين بدخول الفريق الآخر الجنة ، فوثق بالعقل في أنه يرد كل قول إلى فريقه لأمن اللبس ، وقائل ذلك يهود المدينة ونصارى نجران .

قلت : وقد يكون الإجمال في النشر لا في اللف ، بأن يؤتى بمتعدد ، ثم بلفظ يشتمل على متعدد يصلح لهما كقوله تعالى : حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر [ البقرة : 187 ] ، على قول أبي عبيدة : أن الخيط الأسود أريد به الفجر الكاذب لا الليل ، وقد بينته في أسرار التنزيل .

والتفصيلي قسمان : أحدهما أن يكون على ترتيب اللف ، كقوله تعالى : جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله [ القصص : 73 ] ، فالسكون راجع إلى الليل ، والابتغاء راجع إلى النهار .

وقوله تعالى : ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا [ الإسراء : 29 ] ، فاللوم راجع إلى البخل و ( محسورا ) راجع إلى الإسراف ؛ لأن معناه منقطعا لا شيء عندك .

وقوله : ألم يجدك يتيما الآيات ، فإن قوله : فأما اليتيم فلا تقهر راجع إلى قوله : ألم يجدك يتيما فآوى ، وأما السائل فلا تنهر راجع إلى قوله : ووجدك ضالا ، فإن المراد السائل عن العلم ، كما فسره مجاهد وغيره . وأما بنعمة ربك فحدث راجع إلى قوله : ووجدك عائلا فأغنى [ الضحى : 6 - 11 ] ، رأيت هذا المثال في شرح الوسيط للنووي المسمى ب " التنقيح " .

[ ص: 178 ] والثاني : أن يكون على عكس ترتيبه كقوله تعالى : يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم [ آل عمران : 106 ] ، وجعل منه جماعة قوله تعالى : حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب [ البقرة : 214 ] ، قالوا : متى نصر الله قول الذين آمنوا . ألا إن نصر الله قريب قول الرسول : وذكر الزمخشري له قسما آخر كقوله تعالى : ومن آياته منامكم بالليل والنهار وابتغاؤكم من فضله [ الروم : 23 ] ، قال : هذا من باب اللف ، وتقديره : ومن آياته منامكم وابتغاؤكم من فضله بالليل والنهار ، إلا أنه فصل بين ( منامكم ) و ( وابتغاؤكم ) بالليل والنهار ؛ لأنهما زمانان ، والزمان والواقع فيه كشيء واحد مع إقامة اللف على الاتحاد .

التالي السابق


الخدمات العلمية