الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
السادس سئل الغزالي عن معنى قوله تعالى : ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا [ النساء : 82 ] .

فأجاب : الاختلاف لفظ مشترك بين معان ، وليس المراد نفي اختلاف الناس فيه ، بل نفي الاختلاف عن ذات القرآن . ويقال : هذا كلام مختلف : أي : لا يشبه أوله آخره في الفصاحة ، أو هو مختلف الدعوة : أي : بعضه يدعو إلى الدين ، وبعضه يدعو إلى الدنيا وهو مختلف النظم ، فبعضه على وزن الشعر ، وبعضه منزحف وبعضه على أسلوب مخصوص في الجزالة ، وبعضه على أسلوب يخالفه .

وكلام الله منزه عن هذه الاختلافات ، فإنه على منهاج واحد في النظم مناسب أوله [ ص: 255 ] آخره وعلى درجة واحدة في غاية الفصاحة فليس يشتمل على الغث والسمين ، ومسوق لمعنى واحد وهو دعوة الخلق إلى الله تعالى وصرفهم عن الدنيا إلى الدين .

وكلام الآدميين تتطرق إليه هذه الاختلافات ، إذ كلام الشعراء والمترسلين إذا قيس عليه ، وجد فيه اختلاف في منهاج النظم ، ثم اختلاف في درجات الفصاحة ، بل في أصل الفصاحة حتى يشتمل على الغث والسمين ، فلا تتساوى رسالتان ولا قصيدتان ، بل تشتمل قصيدة على أبيات فصيحة وأبيات سخيفة ، وكذلك تشتمل القصائد والأشعار على أغراض مختلفة ، لأن الشعراء والفصحاء في كل واد يهيمون ، فتارة يمدحون الدنيا وتارة يذمونها ، وتارة يمدحون الجبن ويسمونه حزما ، وتارة يذمونه ويسمونه ضعفا ، وتارة يمدحون الشجاعة ويسمونها صرامة ، وتارة يذمونها ويسمونها تهورا ، ولا ينفك كلام آدمي عن هذه الاختلافات; لأن منشأها اختلاف الأغراض بالأحوال ، والإنسان تختلف أحواله فتساعده الفصاحة عند انبساط الطبع وفرحه ، وتتعذر عليه عند الانقباض ، وكذلك تختلف أغراضه فيميل إلى الشيء مرة ، ويميل عنه أخرى ، فيوجب ذلك اختلافا في كلامه بالضرورة ، فلا يصادف إنسان يتكلم في ثلاث وعشرين سنة ، وهي مدة نزول القرآن فيتكلم على غرض واحد ، ومنهاج واحد ، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم بشرا تختلف أحواله ، فلو كان هذا كلامه أو كلام غيره من البشر لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .

التالي السابق


الخدمات العلمية