الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
وروى مسلم عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { إن الكافر إذا عمل حسنة أطعم بها في الدنيا ، وأما المؤمن فإن الله يدخر له حسناته في الآخرة ويعقبه رزقا في الدنيا على طاعته } قال في شرح مسلم المؤمن يدخر له حسناته وثواب أعماله إلى الآخرة ويجزى بها مع ذلك أيضا في الدنيا ولا مانع من جزائه بها في الدنيا والآخرة ، وقد ورد الشرع به فيجب اعتقاده .

وفي صحيح مسلم عنه عليه الصلاة والسلام قال : { ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة ويبقى لهم الثلث وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم الأجر } حمله في شرح مسلم على ظاهره وقال : وتكون هذه الغنيمة من جملة الأجر قال : وهذا موافق للأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضي الله عنهم كقولهم : منا من مات ولم يأكل من أجره شيئا ومنا من أينعت له ثمرته فهو يهدبها أي يجتنيها .

وذكر فيه أقوالا وضعفها وقال : إن هذا الصواب الذي لا يجوز غيره واختار القاضي عياض معناه واختاره الشيخ تقي الدين ، وقد قال بعضهم : إن الخبر [ ص: 205 ] المذكور في تنقيص أجر من غنم لا يصح ، وإنه لا يجوز أن ينقص ثواب أهل بدر قال بعضهم وراوي هذا الخبر أبو هانئ حميد بن هانئ مجهول ; ولأن في الصحيحين أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة وأجيب بأن أبا هانئ ثقة مشهور روى عنه الليث وغيره من الأئمة .

وليس في غنيمة بدر نص إنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم ، وقد غنموا فقط ، ولا تعارض بين هذا الخبر وبين الخبر الآخر فإنه لم يقل : إن الغنيمة تنقص الأجر أم لا ، ولا قال : أجره كأجر من لم يغنم ، وزعم بعضهم أن الذي تعجل ثلثي أجره إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها ، وزعم بعضهم أن المراد أن التي لم تغنم يكون لها أجر بالأسف على ما فاتها من الغنيمة فيضاعف ثوابها كما يضاعف ثواب من أصيب في ماله وأهله ، وزعم بعضهم أنه محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فينقص الله ثوابه والله أعلم .

قال ابن حزم على قوله تعالى في إبراهيم : { وإنه في الآخرة لمن الصالحين } : قال له هناك جزاء الصالحين غير منقوص من الآخرة بما أعطي في الدنيا من الآخرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية