الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( و ) أما ( الترجيح ) فهو ( تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل ) ولا يكون إلا مع وجود التعارض . فحيث انتفى التعارض انتفى الترجيح ; لأنه فرعه ، لا يقع إلا مرتبا على وجوده . وقال ابن مفلح : الترجيح هو اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها ، وقال بعضهم : المراد بوصف ، فلا يرجح نص ، ولا قياس بمثله . انتهى . ثم اعلم أنه لا تعارض بالحقيقة في حجج الشرع ، ولهذا أخر ما أمكن . قال أبو بكر الخلال من أئمة أصحابنا المتقدمين : لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان ليس مع أحدهما ترجيح يقدم به ، فأحد المتعارضين باطل : إما لكذب الناقل أو خطئه بوجه ما من النقليات ، أو خطإ الناظر في النظريات ، أو لبطلان حكمه بالنسخ . انتهى .

وقال إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة رحمه الله : لا أعرف حديثين صحيحين متضادين . فمن كان عنده شيء منه فليأتني به لأؤلف بينهما ، وكان من أحسن الناس كلاما في ذلك . نقله العراقي في شرح الألفية في الحديث . فالترجيح : فعل المرجح الناظر في الدليل ، وهو تقديم إحدى الأمارتين الصالحتين للإفضاء إلى معرفة الحكم ، لاختصاص تلك الأمارة بقوة في الدلالة ، كما لو تعارض الكتاب والإجماع في حكم ، فكل منهما طريق يصلح ; لأن يعرف به الحكم ، لكن الإجماع اختص بقوة على الكتاب من حيث الدلالة ، وذكر أبو محمد البغدادي [ ص: 637 ] عن قوم : منع الترجيح مطلقا . قال الطوفي : التزامه في الشهادة متجه ثم هي آكد . ثم اعلم أن العمل بالراجح فيما له مرجح : هو قول جماهير العلماء سواء كان المرجح معلوما أو مظنونا ، حتى إن المنكرين للقياس عملوا بالترجيح في ظواهر الأخبار ، وخالف أبو بكر بن الباقلاني في جواز العمل بالمرجح المظنون . وقال : إنما أقبل الترجيح بالمقطوع به . كتقديم النص على القياس ، لا بالأوصاف ، ولا الأحوال ، ولا كثرة الأدلة ونحوها ، فلا يجب العمل به ، فإن الأصل امتناع العمل بالظن . خالفناه في الظنون المستقلة بنفسها ; لإجماع الصحابة .

فيبقى الترجيح على أصل الامتناع ، لأنه عمل بظن لا يستقل بنفسه ، ورد قوله بالإجماع على عدم الفرق بين المستقل وغيره ، وقد رجحت الصحابة قول عائشة رضي الله تعالى عنها في { التقاء الختانين فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم } على ما رواه الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الماء من الماء } لكونها أعرف بذلك منهم . قال الطوفي : وليس قوله بشيء ; لأن العمل بالأرجح متعين عقلا وشرعا ، وقد عملت الصحابة بالترجيح مجمعين عليه ، والترجيح دأب العقل والشرع . حيث احتاجا إليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية