الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 108 ] التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى: ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا المعنى: ولقد صرفنا هذا القرآن، وقيل: إن {في} زائدة; والتقدير: ولقد صرفنا هذا القرآن.

                                                                                                                                                                                                                                      وما يزيدهم إلا نفورا أي: ما يزيدهم التصريف إلا نفورا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا أي: لتقربوا إليه، والتمسوا الزلفى [عنده.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن جبير: المعنى: إذا لطلبوا طريقا للوصول إليه; ليزيلوا ملكه].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم : قال الحسن: كل شيء فيه روح يسبح، وقال النخعي وغيره: هو عام فيما فيه روح، وفيما لا روح فيه، حتى صرير الباب، واحتجوا بتكليم الجمادات [كالشجر والمدر للنبي صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تسبيح الجمادات]: أنها تدعو الناظر إليها إلى أن يقول: سبحان الله! وقيل تسبيحها: ما فيها من الدلالة على خالقها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإذا قرأت القرآن جعلنا بينك وبين الذين لا يؤمنون بالآخرة حجابا مستورا أي: مستورا عن أبصار الناس; كالطبع على قلوبهم، وتغشية أبصارهم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو بمعنى: (ساتر) ، والآية في قوم كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم إذا [ ص: 109 ] سمعوه يقرأ; فأعلمه الله تعالى أنه جعل بينه وبينهم حجابا ساترا; فلا يفقهون ما يقول، ولا ينتفعون به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: (الحجاب) : منع الله تعالى إياه من أراد أذاه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وجعلنا على قلوبهم أكنة أن يفقهوه وفي آذانهم وقرا : (الأكنة) : جمع (كنان) ; وهو ما ستر، و (الوقر) : الصمم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: أدبارهم نفورا : قيل: يعني بذلك: المشركين، وقيل: يعني: الشياطين.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: {نفورا} : يصلح أن يكون مصدرا، ويصلح أن يكون جمع (نافر) .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: نحن أعلم بما يستمعون به : كانوا يستمعون من النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ينفردون; فيقولون: هو ساحر، ومسحور، وما أشبه ذلك مما أخبر الله تعالى به عنهم، قاله قتادة وغيره.

                                                                                                                                                                                                                                      و (النجوى) : مصدر وصف به.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: إن تتبعون إلا رجلا مسحورا أي: قد سحر، من (السحر) ، يقولون ذلك، لينفروا عنه الناس.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 110 ] وقيل: المعنى: أن له سحرا; أي: رئة، فهو لا يستغني عن الطعام والشراب مثلكم، وليس بملك.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: معنى (مسحور) : مخدوع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا : قال مجاهد: أي: [لا يستطيعون مخرجا، وقيل: لا يستطيعون] سبيلا إلى الهدى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: عظاما ورفاتا : قال ابن عباس: (الرفات) : الغبار، مجاهد: (الرفات) : التراب، أبو عبيدة والكسائي: {ورفاتا} : حطاما.

                                                                                                                                                                                                                                      ومعنى قوله: خلقا جديدا : مجددا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: قل كونوا حجارة أو حديدا أي: لو كنتم كذلك; لأعادكم كما بدأكم.

                                                                                                                                                                                                                                      أو خلقا مما يكبر في صدوركم : قال مجاهد: يعني: السماوات والأرض، والجبال.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، وابن جبير، وغيرهما: يعني: الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      فسينغضون إليك رءوسهم أي: يحركونها من فوق إلى أسفل، ومن أسفل إلى فوق، كفعل المتعجب المستبطئ للشيء.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 111 ] ابن عباس، وقتادة: المعنى: يحركونها استهزاء.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: يوم يدعوكم فتستجيبون بحمده : [(الدعاء) : النداء إلى الحشر بكلام يسمعه جميع الخلائق، وقيل: بالصيحة التي يسمعون، فيدعوهم إلى الاجتماع إلى أرض المحشر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فتستجيبون بحمده : [أي: حامدين، وقيل: معنى {بحمده} أي: بأمره; أي: تقرون بأنه خالقكم، وقيل: المعنى: بقدرته، وقيل: بدعائه إياكم].

                                                                                                                                                                                                                                      وتظنون إن لبثتم إلا قليلا يعني: بين النفختين; وذلك أن العذاب يكف عن المعذبين بين النفختين، فينامون، فذلك قوله تعالى: من بعثنا من مرقدنا [يس: 52]، فيكون خاصا للكفار.

                                                                                                                                                                                                                                      وقال قتادة: المعنى: أن الدنيا تحاقرت في أعينهم وقلت حين رأوا يوم القيامة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن أي: قل لهم يأمروا بما [ ص: 112 ] أمر الله تعالى به، وينهوا عما نهى الله عنه.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: التي هي أحسن : يرحمك الله، يغفر الله لك، يريد: عند المنازعة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي لا إله إلا الله.

                                                                                                                                                                                                                                      إن الشيطان ينـزغ بينهم أي: يفسد.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ربكم أعلم بكم إن يشأ يرحمكم أو إن يشأ يعذبكم : هذا خطاب للمشركين; والمعنى: إن يشأ يوفقكم للإسلام، فيرحمكم، أو يميتكم على الشرك، فيعذبكم.

                                                                                                                                                                                                                                      وما أرسلناك عليهم وكيلا أي: لم نوكلك على منعهم من الكفر.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ولقد فضلنا بعض النبيين على بعض : قد تقدم القول فيه.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: قل ادعوا الذين زعمتم من دونه : قال الحسن: يعني: الملائكة، وعيسى، وعزيرا.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن مسعود: يعني: الجن.

                                                                                                                                                                                                                                      أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة : أعلمهم الله تعالى أن المعبودين يبتغون القربة إلى ربهم، و (الهاء) في {ربهم} تعود على العابدين، أو [ ص: 113 ] على المعبودين، أو عليهم جميعا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أيهم أقرب أي: يبتغون الوسيلة ينظرون أيهم أقرب إلى الله تعالى؟ فيتوسلون به، ويجوز أن يكون {يبتغون} بدلا من الضمير في {يدعون} ; أي: يبتغي أيهم أقرب الوسيلة إلى الله تعالى; أي: يتقرب إليه بالعمل الصالح.

                                                                                                                                                                                                                                      ويرجون رحمته ويخافون عذابه أي: أن الذين تزعمون أنهم آلهة يرجون ويخافون.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وإن من قرية إلا نحن مهلكوها قبل يوم القيامة أو معذبوها عذابا شديدا يعني بقوله: مهلكوها قبل يوم القيامة : موت أهلها بغير عذاب، أو معذبوها يعني: موتهم بعذاب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: المعنى: وإن من قرية ظالمة، ويقوي ذلك قوله: وما كنا مهلكي القرى إلا وأهلها ظالمون [القصص: 59].

                                                                                                                                                                                                                                      كان ذلك في الكتاب مسطورا أي: مكتوبا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله تعالى: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون : في الكلام حذف; والمعنى: وما منعنا أن نرسل بالآيات التي اقترحوها إلا أن يكذبوا [ ص: 114 ] بها، فيهلكوا; كما فعل بمن كان قبلهم، قال بمعناه قتادة، وابن جريج، وغيرهما، فأخر الله تعالى العذاب عن كفار قريش; لعلمه أن فيهم من يؤمن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: وآتينا ثمود الناقة مبصرة أي: ذات إبصار، وقيل: مبينة، تبين لهم صدق صالح.

                                                                                                                                                                                                                                      فظلموا بها أي: ظلموا بتكذيبهم بها، وقيل: المعنى: ظلموا من أجلها لما عقروها.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية