الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان ما بينه تعالى من إخراجهم لهم موضحا بعداوتهم وكان طول كفهم عن قصدهم بالأذى من سنة الأحزاب سنة خمس إلى سنة [ ص: 493 ] ثمان ربما شكك في أمرها، وكان سبحانه قد أعز المؤمنين بعد ذلهم وقواهم بعد وهنهم وضعفهم، وثقفهم بعد جهلهم، بين ظلال معتقد ذلك بأن كف الكفار إنما هو لعجزهم وأنهم لو حصل لهم ما هو للمسلمين الآن من القوة لبادروا إلى إظهار العداوة مع أن ذلك في نصر الشيطان، فأولياء الرحمن أولى باتباع ما آتاهم من الإيمان، فقال مبينا لبقاء عداوتهم: إن يثقفوكم أي يجدوكم في وقت من الأوقات ومكان من الأماكن وهم يطمعون في أخذكم بكونهم أقوى منكم أو أعرف بشيء مما يتوصل به إلى الغلبة، وأشار بأداة الشك إلى أن وجدانهم وهم على صفة الثقافة مما لا تحقق له، وإنما هو على سبيل الفرض والتقدير، وأنه إنما علم سبحانه أنه لو كان كيف كان يكون، مع أنه مما لا يكون، ونبه على عراقتهم في العداوة بالتعبير بالكون فقال: يكونوا لكم أي خاصة أعداء أي يعدون إلى أذاكم كل عدو يمكنهم وإن واددتموهم. و[لما] كانت العداوة قد تكون بإغراء الغير، عرف أنهم لشدة غيظهم لا يقتصرون على ذلك فقال: ويبسطوا إليكم أي خاصة وإن كان هناك في ذلك الوقت من غيركم من قتل أعز [ ص: 494 ] الناس إليهم أيديهم أي بالضرب إن استطاعوا وألسنتهم أي بالشتم مضمومة إلى فعل أيديهم فعل من ضاق صدره بما تجرع من آخر من غيركم من القصص حتى أوجب له غاية السعة بالسوء أي بكل ما من شأنه أن يسوء.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان أعدى الأعداء [لك] من تمنى أن يفوتك أعز الأشياء لديك، وكان أعز الأشياء عند كل أحد دينه، قال متمما للبيان: وودوا أي وقعت منهم هذه الودادة قبل هذا لأن مصيبة الدين أعظم [فهم إليها أسرع لأن دأب العدو القصد إلى أعظم] ضرر يراه لعدوه، وعبر بما يفهم التمني الذي يكون في المحالات ليكون المعنى أنهم أحبوا ذلك غاية الحب وتمنوه، وفيه بشرى بأنه من قبيل المحال لو تكفرون أي يقع منكم الكفر الموجب للهلاك الدائم، [و]قدم الأول لأنه أبين في العداوة وإن كان الثاني أنكأ.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية