الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            ( 6894 ) فصل : إذا ادعى القاتل أن المقتول كان عبدا ، أو ضرب ملفوفا فقده ، أو ألقى عليه حائطا ، أو ادعى أنه كان ميتا ، وأنكر وليه ذلك ، فالقول قول الولي مع يمينه . وهذا أحد قولي الشافعي . وقال في الآخر : القول قول الجاني ; لأن الأصل براءة ذمته ، وما ادعاه محتمل ، فلا نزول عن اليقين بالشك .

                                                                                                                                            ولنا ، أن الأصل حياة المجني عليه وحريته ، فيجب الحكم ببقائه ، كما لو قتل من كان مسلما ، وادعى أنه ارتد قبل قتله . وبهذا يبطل ما ذكره . وهكذا لو قتل في دار الإسلام إنسانا ، وادعى أنه كان كافرا ، وأنكر وليه ، فالقول قول الولي ; لأن الدار دار الإسلام ، ولذلك حكمنا بإسلام لقيطها . وإن قطع عضوا وادعى شلله ، أو قلع عينا وادعى عماها ، وأنكر الولي ، فالقول قول المجني عليه ; لأن الأصل السلامة . وكذلك لو قطع ساعدا وادعى أنه لم يكن عليه كف ، أو قطع ساقا وادعى أنه لم يكن لها قدم .

                                                                                                                                            وقال القاضي : إن اتفقا على أنه كان بصيرا ، فالقول قول المجني عليه ، وإلا فالقول قول الجاني . وهذا مذهب الشافعي . وكذلك على قياسه إذا اختلفا في شلل العضو ; لأن هذا مما لا يتعذر إقامة البينة عليه ، فإنه لا يخفى على أهله وجيرانه ومعاملته ، وصفة تحمل الشهادة عليه ، أنه كان يتبع الشخص بصره ، ويتوقى ما يتوقاه البصير ، ويتجنب البئر وأشباهه في طريقه ، ويعدل في العطفات خلف من يطلبه . ولنا ، أن الأصل السلامة ، فكان القول قول من يدعيه ، كما لو اختلفا في إسلام المقتول وحياته . وقولهم : لا تتعذر إقامة البينة عليه . قلنا : وكذلك لا تتعذر إقامة البينة على ما يدعيه الجاني ، فإيجابها عليه أولى من إيجابها على من يشهد له الأصل ، ثم يبطل بسائر المواضع التي سلموها . فإن قالوا هاهنا : ما ثبت أن الأصل وجود البصر . قلنا : الظاهر يقوم مقام الأصل ، ولهذا رجحنا قول من يدعي حريته وإسلامه .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية