الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 105 ] وكلإ بفحص ، وعفا [ ص: 106 ] لم يكتنفه زرعه بخلاف مرجه وحماه .

التالي السابق


( ولا ) يمنع ( كلأ ) بفتح الكاف واللام فهمز مقصور ، أي الخلاء النابت بنفسه ( بفحص ) بفتح الفاء وسكون الحاء المهملة فصاد مهملة ، أي أرض لم تزرع استغناء عنها ( وعفا ) بفتح العين المهملة والفاء مقصورا ، أي الدارس الذي لا يزرع جمع عاف قاله [ ص: 106 ] ابن فرحون في شرح ابن الحاجب ( لم يكتنفه ) أي الكلأ ( زرعه ) أي صاحب الأرض ، فإن اكتنفه زرعه وكان عليه ضرر في وصول الناس بدوابهم ومواشيهم إليه فله منعه ( بخلاف ) الكلإ النابت في ( مرجه ) بفتح فسكون أي موضع رعي دوابه ( و ) في ( حماه ) أي الموضع الذي بوره لنبات الكلأ فيه لرعي دوابه فله منعه وبيعه في هذين القسمين ، وعلم من كلامه بالأولى أن له منع كلأ أرضه التي حظرها بحائط أو زرب فيها لا بأس أن تبيع خصبا في أرضك ممن يرعاه عامه بعد نباته وحصول الانتفاع به .

ابن القاسم الخصب الذي يبيعه ويمنع الناس الناس منه وإن لم يحتج إليه ما في مرجه وحماه ابن رشد ما بالأرض المملوكة أقسام : المحظرة بالحيطان ، كالحوائط والجنات ربها أحق بما بها من الكلأ ، وله منعه وبيعه ممن يريد الرعي والاحتشاش وإن لم يحتج إليه .

وأما العفاء والمسرح من أرض قريبة فليس له بيع ما بها من كلأ ولا منع أحد من فضل حاجته اتفاقا إلا أن يضره بدابة أو ماشية في زرع يكون له حواليه . وأما الأرض التي بورها للرعي وترك زراعتها لذلك فقول ابن القاسم فيها جواز منعه إن احتاج إليه أو وجد من يشتريه وإلا جبر على تركه للناس . وأما فحوص أرضه وفدادينه التي لم يبورها للرعي ففيها أقوال .

ابن يونس اختلف في أرضه التي لم يوقفها للكلأ ، فروى ابن القاسم وأشهب أنه لا يبيعه ، وهو أحق به إن احتاج إليه ، وإن لم يحتج إليه خلى بين الناس وبينه . وأما إذا أوقف الأرض للكلأ فله منعه عند ابن القاسم ومطرف أفاده " ق " . " غ " هذا التقسيم في الأرض المتملكة ، وتعرف بالوقوف على كلام ابن رشد في المقدمات ، وهو الذي اختصره هنا ، ونصه وإن كان الكلأ في أرض متملكة فإنها تنقسم على أربعة أقسام ، أحدها أن تكون محظرة قد حظر عليها بالحيطان كالجنات والحوائط . والثاني : أن تكون غير محظرة إلا أنها حماه ومروجه التي قد بورها للرعي وترك زراعتها من أجل ذلك . والثالث : فدادينه وفحوص أرضه التي لم يبورها للمرعى ، وإنما ترك زراعتها [ ص: 107 ] لاستغنائه عنها أو ليحميها للحرث . الرابع العفاء والمرج من أرض قريبة فلا اختلاف أنه لا يبيعه ولا يمنع الناس عما فضل عن حاجته منه إلا أن يكون في اختلاف الناس إليه بدوابهم ومواشيهم ضرر عليه من زرع يكون حواليه فيفسد عليه بالإقبال والإدبار . وأما الثاني والثالث فاختلف فيهما على ثلاثة أقوال فقال ابن الماجشون له أن يبيع مرعى أرضه كأن بورها للكراء أو لم يبورها له .

وقال أشهب ليس له أن يبيع ، وإنما يكون أحق بمقدار حاجته ويترك الفضل للناس . وقال ابن القاسم له أن يبيع إن أوقفها للرعي ، وليس له أن يبيع ما في فدادينه وفحوصه . ا هـ . ولم يصرح المصنف بالتي حظر عليها إما لاندراجها في حماه ، أو ; لأنها أحرى منه ، والذي عند الجوهري العفاء بالفتح والمد الدروس والهلاك والعفو الأرض الغفل لم توطأ ، وبالله تعالى التوفيق . طفي لا تدرك على المصنف ، إذ قد يطلق العفاء على نفس الأرض ففي نهاية ابن الأثير في حديث أقطع أرض المدينة ما كان عفاء ، أي ما ليس لأحد فيه أثر ، وهو من عفا الشيء إذا درس ولم يبق له أثر يقال عفت الدار عفاء ، والله سبحانه وتعالى أعلم .




الخدمات العلمية