الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
ونقض ولو بغير خرب [ ص: 155 ] إلا لتوسيع . كمسجد ، ولو جبرا ، وأمروا بجعل ثمنه لغيره .

التالي السابق


( و ) لا يباع ( نقض ) بكسر النون وضمها كذبح وذخر ، أي منقوض من العقار الموقوف . في الزاهي لا يباع نقض الحبس ، وأجاز بعض أصحابنا بيعه ، ولا أقوله ولابن سهل عن ابن لبابة جواز بيعه وأجازه ابن زرب لبناء باقيه بثمن ما بيع ، وأفتى ابن عتاب بعدم نقل نقض مسجد خرب إلى مسجد آخر وبعدم بيعه ، ويترك حتى يفنى .

ابن عات ابن عبد الغفور لا بأس ببيع نقض المساجد إن خيف فساده ووقفه إن رجي عمارته أمثل . وبالغ على منع بيع العقار فقال ( ولو ب ) عقار ( غير خرب ) " غ " ظاهره رجوع الإغياء للربع الخرب والنقض ، ولم أره منصوصا إلا في الربع الخرب . ابن رشد روى ربيعة أن الإمام يبيع الربع إذا رأى ذلك لخرابه كالدواب والثياب ، وقاله الإمام مالك رضي الله تعالى عنه في إحدى روايتي أبي الفرج عنه . [ ص: 155 ]

واستثنى من منع بيع العقار فقال ( إلا ) بيع العقار الموقوف ( لتوسيع كمسجد ) وطريق ومقبرة فيحوز اختيارا ، بل ( ولو ) كان ( جبرا بالقضاء ) على مستحقه أو ناظره فغير الموقوف أحرى ( وأمروا ) بضم الهمز وكسر الميم ، أي المحبس عليهم الذين لهم ولايته ونظره ( بجعل ثمنه ) أي الوقف الذي بيع به ( لغيره ) بأن يشترى به عقار ويجعل حبسا عوضا عنه . سحنون لم يجز أصحابنا بيع الحبس بحال إلا دارا بجوار مسجد احتيج أن تضاف إليه ليتوسع بها فأجازوا بيعها له ، ويشتري بثمنها دارا تكون حبسا ، وقد أدخل في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم دور محبسة كانت تليه .

ابن رشد ظاهر سماع ابن القاسم أن ذلك جائز في كل مسجد ، كقول سحنون . وفي النوادر عن مالك والأخوين وأصبغ وابن عبد الحكم رضي الله تعالى عنهم أن ذلك إنما يجوز في مساجد الجوامع إن احتيج إليه لا في مساجد الجماعات ، إذ ليست الضرورة فيها كالجوامع . ابن عات عبد الملك لا بأس ببيع الدار المحبسة وغيرها ، ويكره السلطان الناس على بيعها إذا احتاج الناس إليها لتوسعة جامعهم الذي فيه الخطبة ، وكذا الطريق إليها لا إلى المساجد التي لا خطبة فيها ، والطرق التي في القبائل لأقوام مطرف إذا كان النهر بجانب طريق عظمى من طرق المسلمين التي يسلكها العامة فحفرها النهر حتى قطعها ، فإن أهل تلك الأرض التي حولها يجبرون على بيع ما يوسع به الطريق ، فإن لم ينظر السلطان فيها فلا تسلك الأرض إلا بإذن أربابها .

ابن رشد اختلف متأخرو الشيوخ إن امتنعوا من البيع للمسجد فقال أكثرهم : يؤخذ منهم بالقيمة جبرا ، وهو الآتي على سماع ابن القاسم ; لأنه لا يحكم عليهم بجعل الثمن في دار أخرى . ابن عرفة في هذا نظر انظره فيه . ابن حبيب من سماع ابن القاسم سئل [ ص: 156 ] مالك رضي الله تعالى عنه عن قوم كانت لهم دار حبس فباعوها وأدخلت في المسجد ، قال أرى أن يشتروا بالذهب دارا أخرى يجعلونها في صدقة أبيهم ، قيل له : أفيقضى عليهم بذلك ؟ قال لا إلا أن يتطوعوا . ابن رشد ; لأنه لما أوجب الحق أخذها منهم جبرا صار كالاستحقاق الذي يبطل الحبس لا يجب صرف الثمن المأخوذ في حبس مثله البناني المسناوي في جوابه أن ما وسع به المسجد من الرباع لا يجب أن يعوض منه إلا ما كان ملكا أو حبسا على معين ، وأما ما كان حبسا على غير معين فلا يلزم تعويضه ، سواء كان من أجناس المسجد أو غيره أو على نحو الفقراء على ما أفاده جواب أبي سعيد بن لب في نوازل أحباس المعيار ووجهه إن كان على غير معين لم يتعلق به حق لمعين ، والأجر الذي يحصل لواقفه بإدخاله في المسجد أعظم مما حبسه له ، وإن الخلوات المدخلة في المسجد لا حق لأربابها في عوضها ; لأنها محض كراء على التبقية والكراء ينفسخ بتعذر استيفاء المنفعة من المكتري المعين بالفتح فيهما ولا حق لأربابها في الأرض ، والله أعلم .




الخدمات العلمية