الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فإن رد فكمنقطع ، [ ص: 147 ] واتبع شرطه ، إن جاز كتخصيص مذهب أو ناظر أو تبدئة فلان بكذا ، وإن من غلة ثاني عام ، إن لم يقل من غلة كل عام .

التالي السابق


وسئل ابن رشد عمن حبس فرسا على رجل يجاهد به العدو على من يكون علفه ، فقال لا يلزم المحبس علف الفرس الذي حبسه إلا أن يشاء فإن أبى المحبس عليه أن يعلفه رجع إلى صاحبه ملكا إن كان حبسه عليه بعينه ولم يبتله في السبيل ، وإن كان بتله في السبيل أخذ منه إن أبى أن ينفق عليه ودفع إلى غيره ممن يلتزم علفه ويجاهد عليه الشيخ من أمر بشيء لسائل فلم يقبله دفع إلى غيره . ابن عرفة المحبس عليه ما جاز صرف منفعة الوقف له أو فيه ، فإن كان معينا يصح رده اعتبر قبوله .

( فإن رد ) المعين الأهل الوقف عليه ( ف ) هو ( ك ) وقف ( منقطع ) مستحقه في الرجوع حبسا ، لكن لا لأقرب فقراء عصبة المحبس وامرأة لو رجلت عصب على المشهور .

ابن الحاجب فإذا رد فقيل يرجع ملكا ، وقيل يكون كغيره ولمالك " رضي الله عنه " من جمع له ثمن كفن ثم كفنه رجل من عنده رد ما جمع لأهله . ابن رشد هذا موافق للمدونة في رد فضلة ما أعين به مكاتب على الذين أعانوه . طفي ما ذكره تت من رجوعه لأقرب فقراء عصبة المحبس لم يكن في علمي مذكورا فضلا عن كونه مشهورا ، ففي عزوه لمالك " رضي الله عنه " وتشهيره نظر ، وإنما المنقول في المسألة كما في ابن الحاجب وابن شاس وابن عرفة وغير واحد قولان أحدهما لمالك " رضي الله عنه " أنه يكون حبسا على غير من رده والآخر لمطرف أنه يرجع ملكا لمحبسه أو لورثته ولما قرره الشارح على ظاهره اعترضه بقوله هذا القول وقع لمالك في كتاب محمد إلا أنه لم يقل : إنه يرجع لأقرب فقراء عصبة المحبس ، وإنما قال يرجع حبسا لغير من حبس ا هـ . [ ص: 147 ]

ولا شك أن مراد المصنف قول مالك " رضي الله عنه " ولذا قال فكمنقطع فالتشبيه في كونه لا يرجع للمحبس لا من كل وجه ، والله أعلم . والمتبادر من قول الإمام مالك " رضي الله عنه " يكون كغيره أن ذلك باجتهاد الحاكم كما قال " ز " ، وهو الظاهر لا ما قاله الخرشي من كونه حبسا على الفقراء والمساكين من غير عذر ، والله أعلم قاله المسناوي .

( واتبع ) بضم الفوقية وكسر الموحدة ( شرطه ) أي الواقف وجوبا ( إن جاز ) الشرط فيجب العمل به ولا يجوز العدول عنه إلا أن يتعذر فيصرف في مثله كما تقدم في القنطرة ونحوها ، ومثل للجائز فقال ( كتخصيص ) أهل ( مذهب ) معين بصرف غلة وقفه لهم أو بسكناه ( أو ) تخصيص ( ناظر ) عليه بشخصه أو بوصفه ( أو تبدئة فلان بكذا ) كعشرة دنانير من غلة وقفه فيبدأ بها من غلة العام ، بل ( وإن من غلة ) بفتح الغين المعجمة وشد اللام ( ثاني عام ) عوضا عما رتب له من غلة العام الذي قبله لعدمها ( إن لم يقل ) الواقف ابدءوا بإعطائه ( من غلة كل عام ) كذا فإن كان قال ذلك ومضى عام لا غلة له فلا يعطي من غلة العام الذي قبله أو العام الذي بعده شيئا عوضا عما رتب له من غلة الذي لا غلة له ، كذا في معين الحكام والمتيطية ومختصرها لابن هارون .

ونصها وإن قال يجري من غلته على فلان كل عام كذا ، وحصل له في سنة غلة كثيرة ولم يكن له في سنة أخرى غلة ، فإنه يعطي تلك الجراية في العام الثاني من غلة العام الذي قبله ، وإن قال يجري عليه من غلة كل عام كذا ، فلا يعطي من غلة عام لغيره ، وفي وصايا المدونة للموصى له أخذ وصيته كل عام ما بقي من غلة الأول شيء ، فإن لم يبق منها شيء فإذا أغل ذلك أخذ منه لكل عام مضى لم يأخذ له شيئا ا هـ . وهذا مشتمل على فرض المتيطية وفرض المصنف ، والذي يوافق فرض المصنف ما في سماع أشهب فيمن أوصى لرجلين بعشرة دنانير لكل واحد منهما في كل سنة حياتهما من ثمر حائط له فلما كان [ ص: 148 ] العام الأول أصاب المار ما أصابها ، فلم تبلغ الثمار ما أوصى لهما به ، ولما كان العام الثاني جاء الثمار بفضل كثير فأراد أن يأخذ من غلة العام الثاني ما نقص من وصيتهما في غلة العام الأول أفذلك لهما ؟ قال : نعم ذلك لهما .

ابن رشد هذا كما قال ، ومثله في المدونة أفاده طفي . ابن الحاجب مهما شرط الواقف ما يجوز له اتبع كتخصيص مدرسة أو رباط أو أصحاب مذهب بعينه . الزاهي لو شرط الواقف أن يبدأ من غلته بمنافع أهله ، ويترك إصلاح ما ينخرم منه بطل شرطه . ابن عرفة النظر في الحبس لمن جعله إليه محبسه . المتيطي يجعله لمن يثق به في دينه وأمانته ، فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للقاضي يقدم عليه من يرتضيه ، ويجعل له من كرائه ما يراه سدادا بحسب اجتهاده ، فلو قدم المحبس من رآه أهلا لذلك فله عزله واستبداله .

الحط قوله فإن غفل المحبس عن ذلك كان النظر فيه للحاكم هذا ، والله أعلم ، إذا لم يكن المحبس عليه معينا مالكا أمر نفسه ، وأما إن كان معينا مالكا أمر نفسه ولم يول المحبس على حبسه أحدا فهو الذي يجوز الحبس الذي حبس عليه ويتولاه دل على هذا غالب عبارات أهل المذهب في كتاب الحبس وكتاب الصدقة وكتاب الهبة من المدونة وكلام التوضيح في شرح قول ابن الحاجب ، وشرط الوقف حوزه صريح في هذا .




الخدمات العلمية