الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
، أو لم يعلم بها ، إلا بعد موته

التالي السابق


( أو لم يعلم ) بضم التحتية وفتح اللام ( بها ) أي الهبة ( إلا بعد موته ) أي الموهوب له . " غ " أي وكذا تصح الهبة إذا لم يعلم بها الموهوب له في حياته ، فلما مات علم بها ورثته فلهم القيام بها على الواهب الصحيح ، وقد جوز في توضيحه أن يحمل على هذا قول ابن الحاجب ، فلو مات قبل علمه ففي بطلانها قولان بعد ذكره ما اعترضه به بعض الشراح ، وأظنه السفاقسي ، وعلى هذا فينبغي أن يضبط " يعلم " بضم الياء وفتح اللام مبنيا [ ص: 190 ] للمجهول . وأما إذا لم يعلم الموهوب له بها إلا بعد موت الواهب فإنها تبطل كما في المدونة وغيرها ، والقول الآخر الذي ذكره ابن الحاجب بالصحة لم يوجد . تت أو لم يعلم بها الموهوب له إلا بعد موته ، أي الواهب فإنها صحيحة كذا قرره الشارحان ، ومثله في التوضيح . طفي قرراه بما ذكر ، واستدل الشارح بقول ابن راشد نزلت عندنا بتونس ووقع فيها اضطراب

ووجد في الطراز أنه معذور بعدم علمه وهو الصواب ، وجرى على ذلك في شامله فقال وصحت إن قبضها ليتروى أو مات واهبها قبل علمك أو تزكية شاهدها على الأصح فانظر اعتماده هنا . وفي شامله ما ذكر ، وقول ابن راشد القفصي وقع فيها اضطراب مع قول ابن رشد إن مات المعطي المتصدق قبل موت المعطى المتصدق عليه وقد علم ولم يقل قبلت حتى مات المتصدق ، فقول ابن القاسم في المدونة إنه لا شيء له ; لأنه لم ير سكوته مع كون الهبة بيده رضا بها ولا قبولا لها . وقول أشهب فيها إنها له ; لأنه رأى سكوته مع كون الهبة بيده رضا بها وقبولا لها فقال إن كونها في يده أحوز الحوز ، فاختلافهما إذا كان الشيء بيد الموهوب له . وأشار ابن رشد بما ذكره من الاختلاف لقولها إن كان له في يدك أرض أو دار أو رقيق بكراء أو عارية أو وديعة وذلك ببلد آخر فوهبك ذلك فقولك قبلت حوز ، وإن لم تقل قبلت حتى مات الواهب فذلك لورثته ، وقال غيره ذلك حوز لمن كان ذلك في يده .

ثم قال ابن رشد وإن مات المتصدق قبل أن يعلم المتصدق عليه فقول مالك في هذه الرواية إن ذلك جائز وهو شذوذ ; لأنه يقتضي أن هبة الأموال لا تفتقر إلى القبول وأنها للموهوب له بنفس الهبة حتى لو مات الواهب له قبل أن يعلم فهي لورثته عنه ولم يكن لهم ردها إلا على وجه الهبة إن قبلها وهو معين ، ولا اختلاف أحفظ في هذا سوى قول مالك الشاذ في هذه الرواية ، ولو علم بالهبة ولم يعلم منه قبولها حتى مات الواهب جرى ذلك على ما ذكرنا من اختلاف ابن القاسم وأشهب ، وبقول أشهب أخذ سحنون . فتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا وهب شيئا هو في يده أو دينا عليه ، [ ص: 191 ] فإن علم في حياة الواهب وقبل جازت له الهبة اتفاقا . وإن علم ولم يقبل حتى مات الواهب جازت على قول أشهب وبطلت على قول ابن القاسم وإن لم يعلم بالهبة حتى مات بطلت باتفاق إلا على هذه الرواية الشاذة . ا هـ . فبعد حكاية ابن رشد الاتفاق على البطلان ولا تصح إلا على قوله شاذة بعيدة كيف يصح تقرير كلام المصنف عليها ، وكيف يقع الاضطراب بتونس فيها وكأنهم لم يقفوا على كلام ابن رشد المذكور ، وقد نقله ابن عرفة وقبله ، ولذا فر " غ " من هذا ، وجعل الضمير في موته للموهوب له وبنى لم يعلم للمجهول لكن على تقريره تكون في عبارة المصنف ركاكة في تقييده بعدم العلم ، إذ لا فرق بين العلم وعدمه في موت الموهوب له . ابن رشد إذا مات المعطى المتصدق عليه قبل المعطي المتصدق فورثته يقومون مقامه ، ويتنزلون منزلته في الرد والقبول إذا علموا قبل موت المعطي المتصدق . ا هـ . فأطلق في تنزيلهم منزلته وهو كذلك لما تقدم أن القبول لا تشترط فوريته ثم تارة تقوم قرينة على قصد الواهب الموهوب له وعياله ، وتارة على قصد عينه فقط ، وتارة لا توجد قرينة على أحدهما ، ففي الأول تقوم ورثة الموهوب له مقامه في القبول ، وفي الثاني لا يقومون مقامه فيه

ودرج المصنف في الثالث على أنه مثل الأول بهذا قرر كلام المصنف المسناوي وأحمد بابا ونص التوضيح بعد تقريره كلام ابن الحاجب بموت الواهب قبل علم الموهوب له بالهبة ، وقد كان باعها الواهب ويحتمل أن تجعل هذه مسألة مستقلة غير مفرعة على التي قبلها ، ويكون ضمير مات عائدا على الموهوب له ويكون القول بالبطلان معللا بعدم القبول ، والقول بعدمه معللا بأن الغالب القبول كما قالوا فيمن أرسل هدية ، وقوله غير مفرعة على التي قبلها ; لأن التي قبلها في بيع الواهب ، والله الموفق .




الخدمات العلمية