الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 205 ] وللأب اعتصارها من ولده : كأم فقط [ ص: 206 ] وهبت ذا أب ، وإن مجنونا ، ولو تيتم على المختار [ ص: 207 ] إلا فيما أريد به الآخرة : كصدقة بلا شرط

التالي السابق


( و ) إن وهب أب لولده هبة ف ( للأب ) أي مباشرة أي لا الجد ( اعتصارها ) بكسر الهمز وسكون العين المهملة وكسر الفوقية وإهمال الصاد ، أي أخذ الهبة بلا عوض ( من ولده ) ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا ، وظاهره ولو حازها الولد وهو كذلك على المشهور . ابن عرفة الاعتصار ارتجاع المعطي عطيته دون عوض لا بطوع المعطى ، وصيغته ما دل عليه لفظا ، وفي لغو الدلالة عليه التزاما نقلا ابن عات عن بعض فقهاء الشورى وابن ورد ، قال بعض فقهاء الشورى فيمن باعها قبله باسم نفسه ومات فثمنها لابنه في ماله ، ولا يكون الاعتصار إلا بإشهاد . ا هـ . قوله ما دل عليه لفظا شامل لما كان من مادة الاعتصار ، ولما لم يكن منها بدليل ما بعده . وفي لباب ابن راشد صيغته ما دل عليه كاعتصرت ورددت ، ثم قال ولا يكون اعتصار الأبوين إلا بإشهاد . ا هـ . فتخصيص صيغته بمادة الاعتصار غير صحيح قاله البناني .

وشبه في الاعتصار فقال ( كأم ) مباشرة الولادة فلها اعتصار ما وهبت لولدها ( فقط ) أي دون غيرهما من جد وجدة ونحوهما على المشهور . فيها للإمام مالك رضي الله عنه وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة أبيه ما لم يستحدثوا ديونا ، ويحدثوا فيها إحداثا . ابن عرفة المذهب صحة اعتصار الأب ما وهبه لابنه صغيرا كان الابن أو كبيرا ، ومعروف المذهب أن الأم مثله . فيها قال ربيعة رضي الله عنه لا يعتصر الولد من الوالد . قلت فهل يجوز لغير الأبوين من جد أو جدة أو عم أو عمة أو خال أو خالة أو غيرهم اعتصار هبتهم ؟ قال لا يجوز الاعتصار في قول الإمام [ ص: 206 ] مالك رضي الله تعالى عنه إلا للوالد والوالدة ، ولا يجوز لأحد غيرهما وإنما تعتصر الأم التي ( وهبت ) ولدا ( ذا ) أي صاحب ( أب ) فإن وهبت يتيما فليس لها الاعتصار منه ، ولها الاعتصار من ذي الأب إن كان الأب عاقلا ، بل ( وإن ) كان الأب ( مجنونا ) جنونا مطبقا ، إذ هو كالعاقل في الإنفاق من ولده من ماله فليس ولده يتيما ، ولها الاعتصار من ذي الأب حال الهبة إن استمر الأب حيا ، بل ( ولو تيتم ) بفتحات مثقلا ، أي صار الولد يتيما بموت أبيه بعد هبتها له فلها الاعتصار منه ( على المختار ) للخمي من الخلاف .

وأشار ب ولو لقول ابن المواز لا تعتصر منه . فيها للإمام مالك رضي الله تعالى عنه ما وهبت الأم أو نحلت لولدها الصغار ولا أب لهم فليس لها اعتصاره ; لأنه يتيم ولا يعتصر من يتيم ويعد ذلك كالصدقة عليه . ابن القاسم إن وهبتهم والأب مجنون جنونا مطبقا فهو كالصحيح في وجوب الاعتصار لها . اللخمي إن كان له أب يوم العطية ولم تعتصر حتى مات أبوه ، فإن لها اعتصارها ; لأنها لم تكن على وجه الصدقة . وفي كتاب محمد لا تعتصر ، والأول أحسن ; لأن المراعى وقت العطية هل كانت هبة أو صدقة ، والذي قاله محمد حسبما نقل ابن يونس إن وهبت لولدها الصغير فبلغ قبل موت أبيه ثم مات أبوه فلأمه اعتصار ما وهبته ، وإن مات الأب قبل بلوغ الولد ثم بلغ فليس لها الاعتصار لانقطاعه بموت أبيه قبل بلوغه . عج انظر كيف قدم اختيار اللخمي على قول محمد وابن أبي زيد الموافق لظاهر المدونة وتبعه تلامذته والعدوي . البناني كلامه يفيد التعقب على المصنف من وجهين ، أحدهما أن اختيار اللخمي من عنده لا من الخلاف ، فحقه التعبير بالفعل ، والثاني أنه اعتمده وترك المنصوص .

قلت كون اختيار اللخمي ليس بمنصوص هو ظاهر كلام أبي الحسن وضيح وغيرهما ، ولكن ذكر أبو الحسن أن لفظ المدونة محتمل لكل من القولين ، ويؤخذ منه أن ما للخمي هو ظاهرها ونصها وللأم أن تعتصر ما وهبت أو نحلت لولدها الصغير في حياة الأب أبو الحسن انظر قولها في حياة الأب ما العامل فيه نحلت أو وهبت ، فإن كان العامل [ ص: 207 ] فيه تعتصر كان كقول محمد وإن كان وهبت فمثل ما رجح اللخمي فيتخرج القولان منها . ا هـ . ولا شك أن ظاهرها هو التعلق بالأقرب وهو وهبت فلعل المصنف اقتصر على مختار اللخمي ، وعبر عنه بالاسم ; لأنه ظاهرها . واستثنى مما يعتصره الأب فقال ( إلا فيما ) أي تبرع من الأب أو الأم ( أريد ) بفتح الدال ( به ) أي التبرع ( الآخرة ) أي ثوابها فليس لهما اعتصاره ; لأنها صدقة ، في نوازل سحنون هبته لابنه للصلة لا يجوز اعتصارها ، وكذا هبته لضعفه وخوف الخصاصة عليه ولابن الماجشون كل هبة لولده لوجه الله تعالى ولطلب الأجر أو لصلة الرحم فلا تعتصر . ابن رشد هذا مثل قول عمر في المدونة ونحوه في مختصر ابن عبد الحكم ، وبه جرى العمل وهو أظهر من قول مطرف تعتصر . وشبه في منع الاعتصار فقال ( كصدقة ) من أب أو أم لولدهما ( بلا شرط ) لاعتصارها فليس لهما اعتصارها .

ومفهوم بلا شرط أنه إن تصدق عليه بشرط الاعتصار إن شاء فله الاعتصار وهو كذلك . الباجي إذا قيد الهبة أو العطية أو النحلة قال إني سلطت عليها حكم الاعتصار فلا خلاف في المذهب في جواز الاعتصار . ابن رشد الاعتصار لا يكون في الصدقات إلا بشرط .




الخدمات العلمية