الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            معلومات الكتاب

                                                                                                                                            الحاوي الكبير في فقه مذهب الإمام الشافعي

                                                                                                                                            الماوردي - أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي

                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            فصل : فإذا ثبت أن تحريم الرضاع مختص بالصغير دون الكبير ، فقد اختلف الفقهاء في حد تحريمه على أربعة مذاهب : أحدها : وهو مذهب الشافعي أنه محدد بحولين ، فإن وجد بعد الحولين بيوم لم يحرم ، وهو قول أبي يوسف ومحمد . والمذهب الثاني : ما قاله مالك في إحدى رواياته أنه يحرم بعد الحولين بشهر فجعل زمانه محددا بخمسة وعشرين شهرا . [ ص: 368 ] والمذهب الثالث : ما قاله أبو حنيفة : أنه يحرم بعد الحولين بستة أشهر فجعل زمانه محددا بثلاثين شهرا . والمذهب الرابع : ما قاله زفر بن الهذيل أنه يحرم إلى ثلاثة أحوال محددة بستة وثلاثين شهرا استدلالا بعموم قول الله تعالى : وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم [ النساء : 23 ] ويقول النبي صلى الله عليه وسلم الرضاعة من المجاعة ولأنها من يعتد فيها بالرضاع ، فوجب أن يثبت فيها التحريم كالحولين . ودليلنا قوله تعالى حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة [ البقرة : 233 ] وما حد في الشرع إلى غاية كان ما عداها بخلافها كالأقراء ، وهذه دلالة الشافعي . وروى ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا رضاع بعد فصال والفصال في الحولين لقول الله تعالى : وحمله وفصاله ثلاثون شهرا [ الأحقاف : 15 ] وقد ثبت أن أقل الحمل ستة أشهر فدل على أن الباقي هو الفصال ؛ ولأنه حول لا يثبت حكم الرضاع في آخره فوجب أن لا يثبت حكمه في أوله كالحول الرابع طردا ، والثاني عكسا ؛ ولأن الحد إذا علق بالحول ولم يبلغ به الكمال قطع على التمام كالحول في الزكاة . فأما الاستدلال بعموم الآية والخبر فمخصوص بما ذكرناه . وأما قياسهم على الحولين ففاسد بالشهر السابع يتغذى فيه باللبن ، ولا يقع به التحريم ، ثم المعنى في الحولين أنه لما وقع التحريم بالرضاع في آخره وقع بالرضاع في أوله وخالف الثالث .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            الخدمات العلمية