الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قصة غريبة

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ذكرها ابن الجوزي في كتابه " المنتظم " بسنده ، وملخصها أن معاوية بينما هو يوما على السماط إذا شاب من بني عذرة قد مثل بين يديه ، فأنشده شعرا مضمونه التشوق إلى زوجته سعاد ، فاستدناه معاوية ، واستحكاه عن أمره ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إني كنت مزوجا بابنة عم لي ، وكان لي إبل وغنم ، فأنفقت ذلك عليها ، فلما قل ما بيدي رغب عني أبوها وشكاني إلى عاملك [ ص: 315 ] بالكوفة ابن أم الحكم ، وبلغه جمالها فحبسني في الحديد ، وحملني على أن أطلقها ، فلما انقضت عدتها أعطاه عاملك عشرة آلاف درهم ، فزوجه إياها ، وقد أتيتك يا أمير المؤمنين ، وأنت غياث المحروب ، وسند المسلوب ، فهل من فرج ؟ ثم بكى وأنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      في القلب مني نار والنار فيها شرار     والجسم مني نحيل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      واللون فيه اصفرار     والعين تبكي بشجو
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فدمعها مدرار     والحب داء عسير
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فيه الطبيب يحار     حملت فيه عظيما
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فما عليه اصطبار     فليس ليلي بليل
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      ولا نهاري نهار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فرق له معاوية ، وكتب إلى ابن أم الحكم يؤنبه على ذلك ويعيبه عليه ، ويأمره بطلاقها قولا واحدا ، فلما جاءه كتاب معاوية تنفس الصعداء ، وقال : وددت أن أمير المؤمنين خلى بيني وبينها سنة ، ثم عرضني على السيف . وجعل يؤامر نفسه على طلاقها ، فلا يقدر على ذلك ، ولا تجيبه نفسه ، وجعل البريد الذي ورد عليه بالكتاب يستحثه ، فطلقها وأخرجها عنه وسيرها مع الوفد إلى معاوية ، فلما وقفت بين يديه رأى منظرا جميلا ، فلما استنطقها ، فإذا هي أفصح الناس وأحلاهم كلاما ، وأكملهم جمالا ودلالا ، فقال لابن عمها : يا أعرابي ، هل من سلو عنها بأفضل الرغبة ؟ قال : نعم إذا فرقت بين رأسي وجسدي . ثم أنشأ يقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 316 ] لا تجعلني والأمثال تضرب بي     كالمستغيث من الرمضاء بالنار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      اردد سعاد على حيران مكتئب     يمسي ويصبح في هم وتذكار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قد شفه قلق ما مثله قلق     وأسعر القلب منه أي إسعار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      والله والله لا أنسى محبتها     حتى أغيب في رمس وأحجار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      كيف السلو وقد هام الفؤاد بها     وأصبح القلب عنها غير صبار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      فقال معاوية : فإنا نخيرها بيني وبينك وبين ابن أم الحكم . فأنشأت تقول :


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      هذا وإن أصبح في أطمار     وكان في نقص من اليسار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أكثر عندي من أبي وجاري     وصاحب الدرهم والدينار
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      أخشى إذا غدرت حر النار

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      قال : فضحك معاوية ، وأمر له بعشرة آلاف درهم ومركب ووطاء . ولما انقضت عدتها زوجه بها وسلمها إليه . حذفنا منها أشعارا كثيرة مطولة .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      وجرت في هذه السنة فصول طويلة بين عبيد الله بن زياد والخوارج ، فقتل منهم خلقا كثيرا وجمعا غفيرا ، وحبس منهم آخرين ، وكان صارما كأبيه ، مقداما في أمرهم .

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية