الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      التفسير:

                                                                                                                                                                                                                                      روي عن ابن مسعود، وابن عباس: أن {النازعات} الملائكة، تنزع الأرواح من الأبدان، وعن ابن عباس أيضا قال: المعنى: ينزع ملك الموت أرواح الكفار، ثم يغرقها; أي: يرددها في جسده، ثم ينزعها.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: {النازعات}: النفوس تنزع بالخروج من البدن.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة: هي النجوم تنزع من أفق إلى أفق.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء: هي القسي تنزع بالسهام.

                                                                                                                                                                                                                                      و غرقا بمعنى: إغراقا; أي: إبعادا في النزع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والناشطات نشطا : قال ابن عباس: يعني: أنفس الكفار والمنافقين، تنشط كما ينشط العقب الذي يعقب به السرج، و (النشط): الجذب بسرعة، وعنه أيضا: أن والناشطات الملائكة تنشط النفوس; كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنه; يعني: قبضها الأرواح بسرعة، وعنه أيضا: أنها الملائكة تنشط بأمر الله تعالى إلى حيث كان.

                                                                                                                                                                                                                                      السدي: هي النفس كما تنشط خاشعة من القدمين.

                                                                                                                                                                                                                                      الفراء: يقال: (نشطه); إذا ربطه، و(أنشطه); إذا حله، غيره: هما لغتان.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 20 ] مجاهد: والناشطات : ملائكة الموت تنشط نفس المؤمن، وروي ذلك أيضا عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي النجوم تنشط من أفق إلى أفق.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء: هي الوحش تنشط من بلد إلى بلد، وعنه أيضا: أنها الأوهاق.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: والسابحات سبحا : قال مجاهد: هي الملائكة تسبح في نزولها وصعودها، وعنه أيضا: والسابحات : الموت يسبح في أنفس بني آدم.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: هي النجوم تسبح في فلكها.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء: هي السفن.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي أنفس المؤمنين تسبح شوقا إلى الله تعالى.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فالسابقات سبقا : قال مجاهد: هي الملائكة سبقت إلى طاعة الله، وعنه أيضا: الملائكة تسبق الشياطين بالوحي، وعنه أيضا: الموت.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة، ومعمر: هي النجوم تسبق بعضها بعضا في السير.

                                                                                                                                                                                                                                      عطاء: هي الخيل السابقة.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 21 ] وقيل: هي نفس المؤمن تسبق إلى ملك الموت; شوقا إلى الله عز وجل.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فالمدبرات أمرا : الملائكة تنزل بتدبير الحلال والحرام، وغير ذلك، قاله ابن عباس، وقتادة، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: تدبيرها: ما وكلت به من الأمطار، والرياح، ونحو ذلك.

                                                                                                                                                                                                                                      وجواب القسم محذوف; كأنه قال: وهذه الأشياء لتبعثن، قاله الفراء، وقيل: الجواب: إن في ذلك لعبرة لمن يخشى ، وقيل: الجواب: يوم ترجف الراجفة ; على تقدير: ليوم ترجف الراجفة; فحذفت اللام.

                                                                                                                                                                                                                                      و {الراجفة}: الزلزلة، عن مجاهد، تتبعها الرادفة : الصيحة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: {الراجفة}: الأرض، و {الرادفة}: الساعة.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس: {الراجفة}: النفخة الأولى، و {الرادفة}: النفخة الثانية، وبينهما -فيما روي- أربعون سنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: قلوب يومئذ واجفة أي: وجلة، عن مجاهد، وأصله: الانزعاج، والاضطراب، ومنه: (الإيجاف في السير).

                                                                                                                                                                                                                                      أبصارها خاشعة أي: أبصار أصحاب تلك القلوب.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 22 ] وقوله: يقولون أإنا لمردودون في الحافرة : العرب تقول: (رجع في حافرته); إذا رجع من حيث جاء.

                                                                                                                                                                                                                                      ابن عباس، والسدي: الحافرة : [الحياة] الثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: {الحافرة}: الأرض، وهي على هذا (فاعلة) بمعنى: (مفعولة); فكأنهم قالوا: أنرد في قبورنا أحياء بعد موتنا؟

                                                                                                                                                                                                                                      ابن زيد: {الحافرة}: اسم من أسماء النار.

                                                                                                                                                                                                                                      وليس قوله: أإنا لمردودون في الحافرة : متصلا بما قبله; لأنه حكاية عن قولهم في الدنيا، إلا أن يضمر (كان); فيتصل; أي: كانوا يقولون ذلك في الدنيا.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أإذا كنا عظاما نخرة أي: بالية، قاله أبو عمرو، والفراء.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو عمرو: (الناخرة) التي لم تبل بعد، وقيل: (الناخرة): المجوفة، وقيل: هما بمعنى.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 23 ] قالوا تلك إذا كرة خاسرة أي: رجعة نخسر فيها إن كانت; لأنهم أوعدوا بالنار.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: {خاسرة}: كاذبة; أي: ليست كائنة.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإنما هي زجرة واحدة أي: صيحة.

                                                                                                                                                                                                                                      فإذا هم بالساهرة يعني: الأرض، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما، وإنما قيل لها: (ساهرة); لأنهم لا ينامون عليها حينئذ، وقيل: لأنها منتظرة لما يرد عليها; فهي كالمتيقظ.

                                                                                                                                                                                                                                      الثوري: (الساهرة): أرض الشام.

                                                                                                                                                                                                                                      وهب بن منبه: (الساهرة): جبل إلى بيت المقدس.

                                                                                                                                                                                                                                      قتادة: (الساهرة): جهنم.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هي أرض من فضة، لم يعص الله عليها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فقل هل لك إلى أن تزكى أي: تسلم; فتطهر من الذنوب.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: ثم أدبر يسعى} أي: ولى مدبرا معرضا، وقيل: أدبر يسعى هاربا من الحية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فأخذه الله نكال الآخرة والأولى : {الأولى}: [قوله: [ ص: 24 ] ما علمت لكم من إله غيري [القصص: 38]، و {الآخرة} ]: قوله: أنا ربكم الأعلى ، قاله ابن عباس ومجاهد وغيرهما، [وعن مجاهد أيضا: أول عمله، وآخره].

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وقتادة: عذاب الدنيا، وعذاب الآخرة، وعن قتادة أيضا: الآخرة والأولى : حين كذب وعصى، وحين قال: أنا ربكم الأعلى .

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: أأنتم أشد خلقا أم السماء : تقرير وتوبيخ.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: رفع سمكها فسواها أي: جعلها مستوية.

                                                                                                                                                                                                                                      وأغطش ليلها أي: أظلمه، عن ابن عباس، ومجاهد، وغيرهما.

                                                                                                                                                                                                                                      وأخرج ضحاها أي: نورها، ونسب النور والظلمة إلى السماء; لأنهما ينشآن منها.

                                                                                                                                                                                                                                      [وتقدم القول في: {والأرض بعد ذلك دحاها ، و (الدحو): البسط].

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: متاعا لكم ولأنعامكم أي: منفعة تنتفعون بها.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإذا جاءت الطامة الكبرى يعني: القيامة، عن ابن عباس.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن: النفخة الثانية.

                                                                                                                                                                                                                                      وقيل: هو حين يساق أهل النار إلى النار، وهو من (طم); إذا ارتفع.

                                                                                                                                                                                                                                      وقوله: فإن الجحيم هي المأوى أي: المأوى له، أو مأواه.

                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 25 ] وقوله: فيم أنت من ذكراها} أي: في أي شيء أنت من ذكر الساعة والبعث؟

                                                                                                                                                                                                                                      إلى ربك منتهاها أي: منتهى علمها.

                                                                                                                                                                                                                                      إنما أنت منذر من يخشاها} أي: من يخاف عقاب الله فيها، [ولم تكلف علم وقت قيامها].

                                                                                                                                                                                                                                      كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها أي: عشية يوم، أو ضحا تلك العشية، وهذا كقوله: قال لبثت يوما أو بعض يوم [الكهف: 19].

                                                                                                                                                                                                                                      القراءات

                                                                                                                                                                                                                                      أبو حيوة: {الحفرة}; بغير ألف.

                                                                                                                                                                                                                                      حمزة، والكسائي، وأبو بكر: {ناخرة}; بألف، والباقون: {نخرة}.

                                                                                                                                                                                                                                      وتقدم القول في {طوى}.

                                                                                                                                                                                                                                      نافع، وابن كثير: {إلى أن تزكى}; بتشديد الزاي، وخفف الباقون.

                                                                                                                                                                                                                                      الحسن، وعمرو بن ميمون: {والأرض بعد ذلك دحاها}، {والجبال [ ص: 26 ] أرساها}; بالرفع فيهما.

                                                                                                                                                                                                                                      مالك بن دينار: وبرزت الجحيم .

                                                                                                                                                                                                                                      عكرمة، وغيره: {لمن ترى}; بالتاء.

                                                                                                                                                                                                                                      أبو جعفر بن القعقاع، وعمر بن عبد العزيز، وغيرهما: {منذر من يخشاها}; بالتنوين.

                                                                                                                                                                                                                                      * * *

                                                                                                                                                                                                                                      [ليس فيها ياء إضافة، ولا محذوفة].

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية