الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( الثاني ) قال الجلال الدواني في شرح العقائد العضدية ما لفظه : ولابن تيمية أبي العباس أحمد وأصحابه ميل عظيم إلى إثبات الجهة ، ومبالغة في القدح في نفيها ، قال : ورأيت في بعض تصانيفه أنه لا فرق عند بديهة العقل [ ص: 209 ] بين أن يقال هو معدوم ، وبين أن يقال طلبته في جميع الأمكنة فلم أجده ، ونسب النافين إلى التعطيل ، قال هذا مع علو كعبه في العلوم النقلية والعقلية ، كما يشهد به من تتبع تصانيفه ، قال : ومحصل كلام بعضهم في بعض المواضع أن الشرع ورد بتخصيصه تعالى بجهة الفوق كما خص الكعبة بكونها بيت الله لذلك يتوجه إليها في الدعاء ، قال : ولا يخفى إنه ليس في هذا القدر غائلة أصلا ، لكن بعض أصحاب الحديث من المتأخرين لم يرض بهذا القول ، وأنكر كون الفوق قبل الدعاء ، بل قال قبلة الدعاء هو بعينه نفسه ، كما أن نفس الكعبة قبلة الصلاة ، وصرح بكونه جهة الله حقيقة من غير تجوز . اه كلامه بحروفه .

قلت : ليس شيخ الإسلام بأول من نسب النافين للتعطيل ، فهذا أبو محمد عبد الله بن سعيد بن كلاب ، هو الذي تبع طريقته أبو الحسن الأشعري ، وإن خالفه في بعض الأشياء ، إلا إنه على نهجه في إثبات الصفات الفوقية وعلو الله على عرشه ، قال ابن كلاب في كتبه : أخرج من الأثر والنظر من قال إنه سبحانه لا داخل العالم " ولا خارجه " .

وحكى عنه أبو الحسن الأشعري ، أنه كان يقول إن الله مستو على عرشه كما قال وإنه فوق كل شيء . هذا لفظ حكاية الأشعري ، وحكى عنه أبو بكر وابن فورك فيما جمعه من مقالاته في كتاب المجرد : أخرج من النظر والخبر قول من قال لا هو في العالم ولا خارجا عنه ، فنفاه نفيا مستويا ، لأنه لو قيل له صفة بالعدم ما قدر أن يقول أكثر من هذا .

وقال ابن كلاب : إن قالوا لا فوق ولا تحت ، أعدموه لأن ما كان فوق ولا تحت عدم .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية - قدس الله روحه - : ولما رجع الأشعري عن مذهب المعتزلة سلك طريق ابن كلاب ، ومال إلى أهل السنة والحديث ، وانتسب إلى الإمام أحمد ، كما قد ذكر ذلك في كتبه كلها كالإبانة والموجز والمقالات وغيرها .

وقال شيخ الإسلام في رسالته التدمرية بعد أن ذكر أن الذين لا يصفونه إلا بالسلوب لم يثبتوا في الحقيقة إلها محمودا ، بل ولا موجودا ، قال : وكذلك من شاركهم في بعض ذلك كالذين قالوا : إنه لا يتكلم ، ولا يرى أو ليس فوق العالم ، أو لم يستو على العرش ، ويقولون : ليس بداخل العالم ولا خارجه ، ولا مباين للعالم ولا محايث له ، إذ هذه الصفات يمكن أن يوصف بها [ ص: 210 ] المعدوم وليست هي مستلزمة صفة ثبوت ، ولهذا قال محمود بن سبكتكين لمن ادعى ذلك في الخلق : ميز لنا بين هذا الرب الذي تثبته وبين المعدوم ، انتهى .

التالي السابق


الخدمات العلمية