الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
فوائد :

الأولى :

اختلف فيما يكتب الملكان ، فقال عكرمة : لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه ، أو يوزر عليه . انتهى . وظاهر النص أنهما يكتبان أفعال العباد من خير ، أو شر ، أو غيرهما ، قولا كان أو عملا أو اعتقادا ، هما كانت أو عزما أو تقريرا ، فلا يهملان من أفعال العباد شيئا في كل حال وعلى كل حال ، ولهذا قال مجاهد : يكتبان عليه حتى أنينه في مرضه . فقوله - تعالى - : ما يلفظ من قول إلا لديه أي عنده رقيب أي حافظ يرقب أعماله ويحفظها عتيد أي حاضر معه أين ما كان . قال الإمام مالك : يكتبان على العبد كل شيء حتى أنينه في مرضه - كقول مجاهد - محتجا بقوله - تعالى - : ما يلفظ من قول فإفادة العموم بطريق وقوع النكرة في سياق النفي ، وحينئذ يدخل في العبد الكافر ; لأنه تضبط عليه أعماله وأنفاسه . قال الإمام النووي : الصواب الذي عليه المحققون ، بل نقل فيه بعضهم الإجماع أن الكافر إذا فعل أفعالا جميلة كالصدقة وصلة الرحم ، ثم أسلم ومات على الإسلام أن ثواب ذلك يكتب له ، ودعوى كونه مخالفا للقواعد غير مسلم . انتهى . قال بعضهم : وضابط [ ص: 451 ] ذلك الطاعات التي لا تتوقف صحتها على نية ، وقد سلم ذلك له ابن حجر وابن المنير وابن بطال وغيرهم . وممن نص على أن للكافر حفظة - بعض المالكية ، قال بعضهم : وهو الذي لا يصح غيره . وهو الجاري على القول بتكليفهم بفروع الشريعة وهو معتمد الثلاثة خلافا لأبي حنيفة .

والصحيح من مذهبنا كالمالكية كتب حسنات الصبي ، قال علماؤنا : يكتب له ولا يكتب عليه ، فيكون عليه حفظة بخلاف المجنون ; لأنه لا يكتب له ولا عليه ، والصحيح كتبهم الصغائر المغفورة ، وإن غفرت باجتناب الكبائر ، قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله - : لا تمحى الذنوب من صحائف الأعمال بتوبة ، ولا غيرها بل لا بد أن يوقف عليها صاحبها ويقرأها يوم القيامة . واستدل بقوله - تعالى - : ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه الآية ، وبقوله - تعالى - : فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ويقولون يا ويلتنا مال هذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها . وقد ذكر بعض المفسرين أن هذا القول هو الصحيح عند المحققين ، وقد روي هذا القول عن الحسن البصري وبلال بن سعد الدمشقي ، قال الحسن في العبد يذنب ثم يتوب ويستغفر : يغفر له ولكن لا يمحاه من كتابه دون أن يقفه عليه ثم يسأله عنه ، ثم بكى الحسن بكاء شديدا ، وقال لو لم نبك إلا للحياء من ذلك المقام لكان ينبغي لنا أن نبكي .

وقال بلال بن سعد : إن الله يغفر الذنوب ولكن لا يمحاها من الصحيفة ، حتى يوقفه عليها يوم القيامة ، وإن تاب .

التالي السابق


الخدمات العلمية