الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
( ثم ) إن عدمت النية أو لم تضبط خصص ، وقيد ( بساط يمينه ) ، وهو السبب الحامل على اليمين إذ هو مظنة النية فليس هو انتقالا عن النية بل هو نية ضمنا مثاله قول ابن القاسم فيمن وجد الزحام على المجزرة فحلف لا يشتري الليلة لحما فوجد لحما دون زحام أو انفكت الزحمة فاشتراه لا حنث عليه ، وكذا لو سمع طبيبا [ ص: 140 ] يقول لحم البقر داء فحلف لا آكل لحما فلا يحنث بلحم ضأن ; لأن السبب الحامل كونه داء ، وليس الضأن كذلك فيخصص لفظه العام بلحم البقر كما يقيده شراؤه في الأول بوقت الزحمة .

التالي السابق


( قوله ثم إن عدمت النية ) أي الصريحة ، وإنما قلنا ذلك ; لأن البساط نية حكمية لقول ابن رشد إنه تحويم على النية ( قوله : أو لم تضبط ) أي أو لم تعدم النية الصريحة لكن عدم ضبط الحالف لها .

( قوله : وهو السبب الحامل على اليمين ) هذا تعريف له باعتبار الغالب ، وإلا فهو المعبر عنه في علم المعاني بالمقام ، وقرينة السياق ، وقد لا يكون سببا كما في بعض الأمثلة الآتية كذا في حاشية السيد واعلم أن البساط يجري في جميع الأيمان سواء كانت بالله أو بطلاق أو بعتق كما قال بعضهم :

يجري البساط في جميع الحلف وهو المثير لليمين فاعرف إن لم يكن نوى وزال السبب
وليس ذا لحالف ينتسب

. ا هـ . وقوله ، وهو المثير أي السبب الحامل على اليمين ، وقوله إن لم يكن نوى ، وأما إن نوى في مثال الشارح لا أشتري لحما زالت الزحمة أو بقيت فإنه يحنث إذا اشتراه عند زوال الزحمة ، وقوله وزال السبب أما إن لم يزل السبب فإنه يحنث ، وقوله ، وليس ذا أي السبب ينتسب للحالف أي أنه يشترط في نفع البساط أن لا يكون للحالف مدخل في السبب الحامل على اليمين فلو تنازع مع ولده أو زوجته أو أجنبي فحلف عليه أن لا يدخل داره ثم زال النزاع ، واصطلح الحالف والمحلوف عليه فإنه يحنث بدخوله ; لأن الحالف له مدخل في السبب فالبساط هنا غير نافع كما أنه لا ينفع فيما نجز بالفعل كما لو تشاجرت زوجته مع أحد فطلقها ثم زالت المشاجرة فلا يرتفع الطلاق ; لأن رفع الواقع محال كذا ذكر شيخنا السيد البليدي ( قوله : بل هو نية ضمنا ) أي فعطفه على النية باعتبار أن تلك نية صريحة ، وهذا نية ضمنية والتحقيق أن البساط من باب القرائن فهو أقوى من النية المخالفة ، ولا ينافي ما تقدم عن ابن رشد من أنه تحويم على النية ; لأن المراد أنه تحويم على التصريح بها ، وإذا علمت أنه من باب القرائن فالعطف ظاهر ( قوله : لا حنث عليه ) أي لا في الفتوى ، ولا في القضاء . والحاصل أن ظاهر المصنف ككلامهم اعتبار البساط ، ولو مع مرافعة في طلاق أو عتق إلا أن المفتي يدين الحالف في دعواه ، وأما في القضاء فلا بد من ثبوت كون الحالف عند وجود البساط يعني بأن تشهد البينة عند المرافعة بالبساط فيحمل - [ ص: 140 ] عليه حينئذ كانت يمينه مما ينوي فيه أم لا ، وأما إن شهدت البينة باليمين ، وادعى هو البساط فلا يعمل عليه عند المرافعة ، وقد صرح ابن رشد بهذا التفصيل ونقله عنه طفى ( قوله : يقول لحم البقر داء إلخ ) أي ، وكذا إذا قيل له أنت تزكي الناس لأجل شيء تأخذه منهم فحلف بالطلاق أنه لا يزكي ، ولا نية فلا يحنث بإخراج زكاة ماله ، وإنما يحنث بتزكيته للناس ، ومن جملة أمثلته كما في المج أن يحلف ليشترين دار فلان فلم يرض ربها بثمن مثلها فأقوى القولين عدم الحنث كما في ح ، وكذا إذا حلف ليبيعن فأعطى دون الثمن ، ومن جملة أمثلته كما في البدر القرافي ما إذا حلف أن زوجته لا تعتق أمتها ، وكانت أعتقتها قبل ذلك فلا يحنث ; لأنه لو علم لم يحلف ، ومنها لو حلف أنه ينطق بمثل ما تتكلم به زوجته فقالت أنت طالق فلا يحاكيها ، ومنها لو حلفت زوجة أمير أنها لا تسكن بعد موته دار الإمارة ثم تزوجت بعده أميرا آخر فأسكنها بها لم تحنث ; لأن بساط يمينها انحطاط درجتها بعد موته ، وقد زال ذلك ، ومنها من ضاع صكه فقال للشهود اكتبوا لي غيره امرأته طالق لا يعلمه في موضع ، ولا هو في بيته ثم وجده في بيته فلا حنث عليه عملا بمقتضى لفظه بل هذا من البساط على المشهور .

ومنها لو حلف بطلاق زوجته أنه لا يأكل بيضا ثم وجد في حجر زوجته شيئا مستورا فقالت لا أريكه حتى تحلف بالطلاق لتأكلن منه فحلف فإنه لا شيء عليه إذا كان الذي في حجرها بيضا ، ولا يأكل منه ; لأن بساط يمينه أنه يأكل منه ما لم يمنع من الأكل مانع ; ولأن علمه باليمين الأول يتضمن نية إخراجه .




الخدمات العلمية